للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْتُ: «سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».

قَالَ (الخَصْمُ): قَالَ: «أَفَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ، يُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ جُمْلَةً، وَالْحِكْمَةَ خَاصَّةً وَهِيَ أَحْكَامُهُ؟»

قُلْتُ: «تَعْنِي بِأَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ عَنْ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِثْلَ مَا بَيَّنَ لَهُمْ فِي جُمْلَةِ الْفَرَائِضِ مِنْ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا، فَيَكُونُ اللَّهُ قَدْ أَحْكَمَ فَرَائِضَ مِنْ فَرَائِضِهِ بِكِتَابِهِ، وَبَيَّنَ كَيْفَ هِيَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟».

قَالَ (الخَصْمُ): «إنَّهُ لَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ!».

قُلْتُ: «فَإِنْ ذَهَبْتَ هَذَا الْمَذْهَبَ فَهِيَ [فِي] مَعْنَى الأَوَّلِ قَبْلَهُ، الَّذِي لاَ تَصِلُ إلَيْهِ إلاَّ بِخَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

قَالَ (الخَصْمُ): «فَإِنْ ذَهَبْت مَذْهَبَ تَكْرِيرِ الْكَلاَمِ؟».

قُلْتُ: «وَأَيُّهُمْ أَوْلَى بِهِ، إذَا ذَكَرَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ أَنْ يَكُونَا شَيْئَيْنِ أَوْ شَيْئًا وَاحِدًا».

قَالَ: «يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا كَمَا وَصَفْت، كِتَابًا وَسُنَّةً، فَيَكُونَا شَيْئَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا شَيْئًا وَاحِدًا؟».

قُلْتُ: «فَأَظْهَرُهُمَا أُولاَهُمَا، وَفِي القُرْآنِ دَلاَلَةٌ عَلَى مَا قُلْنَا، وَخِلاَفُ مَا ذَهَبْتَ إلَيْهِ».

قَالَ: «وَأَيْنَ [هِيَ]؟».

قُلْتُ: «قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (١) فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُتْلَى فِي بُيُوتِهِنَّ شَيْئَانِ».

قَالَ (الخَصْمُ): «فَهَذَا الْقُرْآنُ يُتْلَى فَكَيْفَ تُتْلَى الْحِكْمَةُ؟».

قُلْتُ: «إنَّمَا مَعْنَى التِّلاَوَةِ أَنْ يَنْطِقَ بِالقُرْآنِ وَالسُنَّةِ، كَمَا يَنْطِقُ بِهَا» (٢).

قَالَ (الخَصْمُ): «فَهَذِهِ أَبْيَنُ فِي أَنَّ الْحِكْمَةَ غَيْرُ القُرْآنِ مِنْ الأُولَى».

وَقُلْتٌ: «افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».


(١) [سورة الأحزاب، الآية: ٣٤].
(٢) هكذا العبارة في جماع العلم المطبوع مع " الأم ": ٧/ ٢٥٠ ولعل صوبها: «أَنْ يَنْطِقَ بِالسُنَّةِ كَمَا يَنْطِقُ بِالقُرْآنِ».