للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهنا ذكر الشافعي له أيضاًً: كيف ينسخ القرآن بعضه بعضاً ولا سبيل إلى ذلك إلا بالخبر عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ثُمَّ قَالَ (الخَصْمُ): «وَالحُجَّةُ لَك ثَابِتَةٌ بِأَنَّ عَلَيْنَا قَبُولَ الخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ صِرْت إلَى أَنَّ قَبُولَ الخَبَرِ لاَزِمٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِمَا ذَكَرْت وَمَا فِي مِثْلِ مَعَانِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ».

ثم أعلن الخَصْمُ الرجوع عما كان يعتقده إلى ما تبين له أنه الحق.

ثم سأل الخَصْمُ الشَّافِعِيَّ عن العام كيف يكون في القرآن مَرَّةً عَامًّا ومَرَّةً خَاصًّا! فَبَيَّنَ له الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - أن لسان العرب واسع وقد تنطق بالشيء عَامًّا وتريد به خَاصًّا، وأن القول بخصوصية العام لا تكون إلا بِحُجَّةٍ من قرآن أو سُنَّةٍ، ثم ذكر له على ذلك أمثلة من عموم القرآن خُصَّتْ بأخبار السُنَّةِ كعموم الصلاة على المُكَلَّفِينَ خصت منها ذوات الحيض، والزكاة على الأموال عَامَّةً وخُصَّ منها بعض الأموال، والوصية للوالدين نسخت بالفرائض، والمواريث للآباء والأمهات والولد على العموم وخُصَّ منها الكافر لا يرث من المسلم، والعبد من الحر والقاتل من المقتول وكل ذلك بِِالسُنَّةِ، فاعترف الخصم بأنه لا سبيل لعلم ذلك إلا بِالسُنَّةِ.

ثُمَّ قَالَ (الخَصْمُ): «[نَعَمْ] وَمَا زِلْت أَقُولُ بِخِلاَفِ هَذَا حَتَّى بَانَ لِي خَطَأُ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ، وَلَقَدْ ذَهَبَ فِيهِ أُنَاسٌ مَذْهَبَيْنِ: أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ لاَ يَقْبَلُ خَبَرًا وَفِي كِتَابِ اللَّهِ البَيَانُ».

قُلْتُ: «فَمَا لَزِمَهُ؟».

قَالَ: «أَفْضَى بِهِ عَظِيمٌ إلَى عَظِيمٍ مِنْ الأَمْرِ، فَقَالَ مَنْ جَاءَ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَلاَةٍ وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ زَكَاةٍ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ لاَ وَقْتَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ قَالَ فِي كُلِّ أَيَّامٍ».

وَقَالَ: «مَا لَمْ يَكُنْ [فِيهِ] كِتَابُ اللَّهِ فَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِيهِ فَرْضٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا كَانَ فِيهِ قُرْآنٌ يُقْبَلُ فِيهِ الْخَبَرُ، فَقَالَ بِقَرِيبٍ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ قُرْآنٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَا دَخَلَ عَلَى الأَوَّلِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ أَنْ صَارَ إلَى قَبُولِ الْخَبَرِ بَعْدَ رَدِّهِ، وَصَارَ إلَى أَنْ لاَ يَعْرِفَ نَاسِخًا وَلاَ مَنْسُوخًا وَلاَ خَاصًّا وَلاَ عَامًّا، وَالْخَطَأَ».

[قَالَ]: «وَمَذْهَبُ الضَّلاَلِ فِي هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ وَاضِحٌ لَسْتُ أَقُولُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَكِنْ هَلْ مِنْ حُجَّةٍ فِي أَنْ تُبِيحَ المُحَرَّمَ بِإِحَاطَةٍ بِغَيْرِ إحَاطَةٍ؟» (أَيْ تُبِيحُ المُحَرَّمَ قَطْعًا بِالظَنِّ).