الدين والعقائد لا يجوز أخذها من طريق ظَنِّيٍّ قَطْعاً، وليس الأمركذلك في الفروع.
وقال الآمدي: «[مِنَ الْمَعْقُولِ] أَنَّهَا مُنْتَقِضَةٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْفَتْوَى وَالشَّهَادَةِ، كَيْفَ وَالْفَرْقُ حَاصِلٌ. (أي بين الفروع والأصول) وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرَطَ فِي إِثْبَاتِ الرِّسَالَةِ وَالأُصُولِ الدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ، فَلَمْ يَكُنِ الدَّلِيلُ الظَّنِّيُّ مُعْتَبَرًا فِيهَا، بِخِلَافِ الْفُرُوعِ» (١) والحق أنَّ قياس الفروع على الأصول في وجوب القطع تحكم ومحال، إذ لا سبيل إلى ذلك في الفروع والأمر على العكس في الأصول، ولا يجادل في هذا إلا مكابر.
وأما الجواب عن الشُبْهَة الثالثة: فهو أنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - إِنَّمَا تَوَقَّفَ فِي خَبَرِ ذِي اليَدَيْنِ لِتَوَهُّمِهِ غَلَطَهُ، لبعد انفراده بمعرفته ذلك دُونَ من حضره من الجمع الكثير، ومع ظهور أمارة الوهم في خبر الواحد يجب التوقف فيه، فحيث وافقه الباقون على ذلك ارتفع حكم الأمارة الدالة على وَهْمِ ذي اليدين، وعمل بموجب خبره، كيف وَأَنَّ عمل النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخبر أبي بكر وعمر وغيرهما مع خبر ذي اليدين عمل بخبر لم ينته إلى حد التواتر، وهو موضع النزاع، في تسليمه تسليم المطلوب.
وأما الجواب عن الشُبْهَةِ الرابعة: فالثابت الذي لا شك فيه أنَّ الصحابة عملوا بخبر الآحاد، وتواتر عنهم ذلك، وسنسرد بعض الأدلة والوقائع التي عملوا فيها بخبر الواحد، فإذا روي عنهم التوقف في بعض خبر الآحاد، لم يكن ذلك دَلِيلاً على عدم عملهم به، بل لريبة أو وَهْمٍ أو رغبة في التَثَبُّتِ، وخذ لذلك مثلاً ما استدل به المخالفون من رَدِّ أبي بكر خبر المغيرة في ميراث الجدة، فالواقع أَنَّ أبا بكر لَمْ يَرُدَّ خبر المغيرة لأنه لا يقبل خبر الآحاد، بل تَوَقَّفَ إِلَى أَنْ يأتي ما يؤيده ويزيده اعتقاداً بوجود هذا التشريع في الإسلام وهو إعطاء الجَدَّةَ السُدُسَ، ولما كان هذا تشريعاً لم ينص عليه القراَن كان لاَ بُدَّ للعمل به وإقراره من زيادة في التثبت والاحتياط، فلما شهد محمد بن مسلمة أنه سمع هذا من النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَمْ يَتَرَدَّدْ أبو بكر في العمل بخبر المغيرة. ومثل ذلك يقال في رَدِّ عمر خبر أبي موسى