الوَاِحِد»: فإنْ قال قائل: اذكر الحُجَّة في تثبيت خبر الواحد بنص خبر أو دلالة فيه أو إجماع، فقلت له:
١ - أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه أنَّ النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنَّصِيحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ» فلما ندب رسول الله إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها امرءاًْ يؤديها - والأمر واحد - دَلَّ على أنه لا يؤمر أن يؤدى عنه إلا ما تقوم به الحُجَّةُ على من أدى إليه، لأنه إنما يؤدى عنه حلال يؤتى، وحرام يجتنب، وَحَدٌّ يُقَامُ، ومال يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دين ودنيا، وَدَلَّ على أنه قد يحمل الفقه غير فقيه، يكون له حافظاً ولا يكون فيه فقيهاً، وأمر رسول الله بلزوم جماعة المُسْلِمِينَ مِمَّا يحتج به في أن إجماع المُسْلِمِينَ - إنْ شاء الله - لازم.
٢ - أخبرنا سفيان، قال: أخبرني سالم أبو النضر أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يخبر عن أبيه قال: قال النَّبِيُّ: «لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي، مِمَّا نَهَيْتُ عَنْهُ أو أَمَرْتُ بِهِ فَيَقُولُ: لاَ نَدْرِي! مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللهِ اتَّبَعْنَاهُ» قال ابن عيينة: «وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ عَنْ النَّبِيِّ بِمِثْلِهِ مُرْسَلاً». وفي هذا تثبيت الخبر عن رسول الله وإعلامهم أنه لازم لهم وإن لم يجدوا له نص حكم في كتاب الله، وهو موضوع في غير هذا الموضع.