ولم يقتصر الأمر على هؤلاء، فإن الحكومة نفسها لم تقف ساكتة إزاء ذلك، فإذا ما أرادت أَنْ تُعَمِّمَ رَأْيًا أو تسكت هؤلاء الأتقياء، تذرعت أيضاًً بالحديث الموافق لوجهات نظرها، فكانت تعمل ما يعمله خصومها، فتضع الحديث، أو تدعو إلى وضعه، وإذا ما أردنا أن نتعرف إلى ذلك كله، فإنه لا توجد مسألة خلافية سياسية أو اعتقادية إلا ولها اعتماد على جملة من الأحاديث ذات الإسناد القوي، فالوضع في الحديث ونشر بعضه أو اضطهاد بعضه بدأ في وقت مبكر، فالأُمَوِيُّونَ كانت طريقتهم كما قال معاوية للمغيرة بن شعبة (١): «لاَ تُهْمِلْ فِي أَنْ تَسُبَّ عَلِيًّا وأنْ تطلب الرحمة لعثمان، وأنْ تَسُبَّ أصحاب عَلِيٍّ وتضطهد من أحاديثهم وعلى الضد من هذا، أنْ تمدح عثمان وأهله وأنْ تقربهم وتسمع إليهم» على هذا الأساس قامت أحاديث الأُمَوِيِّينَ ضد عَلِيٍّ، ولم يكن الأُمَوِيُّونَ وأتباعهم لِيَهُمَّهُمْ الكَذِبَ في الحديث الموافق لوجهات نظرهم، فالمسألة كانت في إيجاد هؤلاء الذين تنسب إليهم.
وقد استغل هؤلاء الأُمَوِيُّونَ أمثال الإمام الزُّهْرِي بدهائهم في سبيل وضع الحديث - وهنا اختصر الدكتور اتهام المستشرق جولدتسيهر للامام الزُّهْرِي - ومن الواجب أنْ أثبته هنا كما نقلناه عنه في الدرس، ولا تزال مسودته بخط يده عندي حيث قال: إن عبد الملك بن مروان منع الناس من الحج أيام فتنة ابن الزبير. وبنى قبة الصخرة في المسجد الأقصى ليحج الناس إليها ويطوفوا حولها بدلاً من الكعبة، ثم أراد أن يحمل الناس على الحج إليها بعقيدة دينية، فوجد الزُّهْرِي وهو ذائع الصيت في الأُمَّة الاسلامية مستعداً لأن يضع له أحاديث في ذلك، فوضع أحاديث، منما حديث:«لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى»
ومنها حديث:«الصَلاَةُ فِي المَسْجِدِ الأَقْصَى تَعْدِلُ أَلْفَ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ» وأمثال هذين الحديثين، والدليل على أن الزُّهْرِي هو واضع هذه الأحاديث، أنه كان صديقاً لعبد الملك وكان يتردد عليه، وأنَّ الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس مروية من طريق الزُّهْرِي فقط.
أما كيف وجه الأُمَوِيُّونَ هِمَّتَهُمْ إلى أنْ يَنْشُرُوا أحاديث توافق رغبتهم وكيف استغلُّوا لذلك أناساً من نوع (الزُّهْرِي) الرجل الصالح، استغلالاً ليس من نوع