طَالِبٍ» - ويظهر أن هشاماً لم يكن جَادًّا فيما يقول، ولكنه يريد أن يَخْتَبِرَ شِدَّتَهُمْ فِي الحَقِّ - فقال سليمان بن يسار:«أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ»، ثم وصل ابن شهاب، فقال له هشام:«مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ؟»، فقال الزُّهْرِيُّ:«هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنِ سَلُولٍ»، فقال له هشام:«كَذَبْتَ إِنَّمَا هُوَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ». قال الزُّهْرِيُ وقد امتلأ غضباً:«أَنَا أَكْذِبُ؟ لاَ أَبًا لَكَ! فَوَاللهِ لَوْ نَادَانِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللهَ أَحَلَّ الكَذِبَ مَا كَذَبْتُ ... حَدَّثَنِي فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ أَنَّ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنِ سَلُولٍ»، قال الشافعي: فما زالوا يغرون به هشاماً حتى قال له: «ارْحَلْ فَوَاللهِ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَحْمِلَ عَنْ مِثْلِكَ»، قال ابن شهاب:«وَلِمَ ذَاكَ؟ أَنَا اغْتَصَبْتُكَ عَلَى نَفْسِي أَوْ أَنْتَ اغْتَصَبْتَنِي عَلَى نفسي؟ فَخَلِّ عَنِّي
ذلك ما أثبته ابن عساكر في " تاريخه " منذ ثمانية قرون نقلاً عن الشافعي وهو إمام من أئمة الصدق والحق من قبل أن يظهر إلى عالم الوجود رجل يرمي الزُّهْرِي بالكذب وَيَتَّهِمَهُ في دينه لاتصاله بالخلفاء!. ألاَ ترى في هذه الحادثة ما يَدُلُّكَ على مبلغ أمانة الزُّهْرِي، وعلى أَنَّ الصلة بينه وبين الخلفاء كانت أدنى وأضعف من أن تصل إلى دينه وأمانته؟ رجل يقول لخليفة المُسْلِمِينَ: لا أبا لك!. وهي كلمة لا يقولها رجل عادي لآخر مثله يحترمه، دليل على أن صلته بالخليفة ليست صلة ضعيف بقوي، ولا مخدوع بخادع، بل صلة واثق بدينه، معتز بعلمه يغضب إِنْ كُذِبَ، وَيَثُورُ إِذَا حُرِّفَتْ حقيقة من حقائق التاريخ المتصل بصحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ورجل يَزْأَرُ في وجه الخليفة زئير الآساد لأنه كَذَّبَهُ في تفسير آية من كتاب الله خلاف ما يعلم أهل العلم من قبله، هل من المعقول أن يستخذي لأهواء الخليفة، فيضع له أحاديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا أصل لها! ألاَ ترى إلى قول الزُّهْرِي:«أَنَا أَكْذِبُ؟ لاَ أَبًا لَكَ! فَوَاللهِ لَوْ نَادَانِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللهَ أَحَلَّ الكَذِبَ مَا كَذَبْتُ» إِنَّ الزُّهْرِي كان من ذلك الطراز الممتاز في تاريخ