للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يعطيك الدليل القاطع على أن علماءنا لم يكونوا يجاملون في حقٍ أو يتساهلون في إنكار منكر يعتقدونه.

أخرج البيهقي عن كعب بن عجرة: أنه دخل المسجد وعبد الرحمن بن الحكم (١)، يخطب قاعداً فقال انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعداً والله تعالى يقول لرسوله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (٢) ومع ذلك فلم يحتج ابن الحكم بحديث، ولم يَدَّعِ في ذلك سُنَّةً عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

أما ما ادَّعَاهُ «جولدتسيهر» من أن رجاء بن حيوه روى لهم أن رسول الله والخلفاء كانوا يخطبون جلوساً، فهذا كذب على رجاء، وافتراء على إمام ثقة من أئمة المُسْلِمِينَ، ويستحيل أن يقول رجاء هذا في عصر لا يزال فيه كثير من الصحابة يدافعون عن سُنَّةِ رسول الله دفاع المُسْتَمِيتِ، ولم نجد لنسبة هذا الحديث إلى رجاء أثراً في أي كتاب من كُتُبِ السُنَّةِ المعتمدة، ولعله رآه في كتاب ككتاب " ألف ليلة وليلة "، الذي كثيراً ما اعتمد عليه في النقل أثناء بحوثه العلمية، أو في كتاب " حياة الحيوان " للدميري الذي ينقل عنه كثيراً، ورجاء بن حيوه عند أئمة الحديث ثقة حافظ قال الذهبي (٣): قال ابن سعد: «كان رجاء فاضلاً ثقة كثير العلم، وقال ابن عون: لم أر مثل رجاء بالشام ولا مثل ابن سيرين بالعراق ولا مثل القاسم بالحجاز»، قال الذهبي: قلت: هو الذي اشار على سليمان باستخلاف عمر بن عبد العزيز، فذنب هذا الإمام الثقة في نظر جولدتسيهر أنه كان بالشام وكان متصلاً بخلفاء الأُمَوِيِّينَ كذنب الزُّهْرِي تماماً.

وأما قول جابر بن سَمُرَة: «مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ خَطَبَ جَالِساً فَقَدْ كَذَبَ»، فليس فيه رَدٌّ على حديث وضع بالفعل، بل يحتمل أن يكون رَداً لما يطرأ في أذهانهم من جواز ذلك، فقطع لهم بأنه مخالف لِسُنَّةِ رسول الله قطعاً.


(١) البيهقي: ٣/ ١٦٦ ورواه مسلم في " صحيحه ": (حديث ٨٦٤) إلا أنه قال فيه (عبد الرحمن بن أم الحكم).
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
[انظر " صحيح مسلم " بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي: ٢/ ٥٩١، حديث ٣٩ (٨٦٤)].
(٢) [سورة الجمعة، الآية: ١١].
(٣) " تذكرة الحفاظ ": ١/ ١١١.