للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للمسلمين على أنه حديث رسولهم، وكيف يكون التزوير في حادث دنيوي وهو حادث واحد لا يروي الرُوَاة غيره، دليلاً على أن الوضع في الحديث النبوي قد بدأ في حياة الرسول ذاته؟.

رَابِعاًً - من الواضح في هاتين الروايين أن الذي فعل هذا الحادث مجهول، وقد جاء قوما خارج المدينة، ويغلب على الظن انه لم يلق النَّبِيّ - عَلَيْهِ السَلاَمُ - بل ربما لم يكن أسلم فهو ليس من الصحابة، فلا مستند فيه لمن يريد التشكيك في صدق الصحابة.

بهذا تعلم أنه سواء كان سبب الحديث ما ذكرته كُتُبُ السُنَّة المعتمدة، أو ما جاء في تلك الروايتين اللتين حكم عليهما بعض النُقَّادِ بعدم الصحة، فليس فيه ما يدل على حصول الوضع في عهد الرسول، فاستظهار ذلك خطأ قائم على غير أساس فلا يصح الذهاب إليه، لا سيما وأن مِنْ أَوَّلِ نتائجه نسبة الكذب إلى أصحاب الرسول - عَلَيْهِ السَلاَمُ -، وهو مناف للحق والواقع، والمعروف من تاريخ هؤلاء الأصحاب، ومخالف لما ذهب إليه جمهور المُسْلِمِينَ من عدالتهم على الإطلاق لم يشذ في ذلك إلا الشِيعَةُ وطوائف الخوارج والمعتزلة، - كما سبق - فإن كان، الأستاذ يريد بما استظهره الإشارة إلى هذا الرأي المنبوذ، والتمهيد لما سيذكره عن أبي هريرة، ونقد الصحابة، بعضهم لبعض، ليضع بذلك أول (لُغْمٍ) في بناء السُنَّةِ فقد أخطأ الطريق وجانب الحق وبنى أمراً خطيراً على ظنون لا يؤيدها تاريخ صحيح ولا حدت ثابت.

ومن الإنصاف للأستاذ أن نقول بعدئذ: إن هذا الاستظهار لم يكن وليد بحثه وتفكيره، بل هو يكاد يكون بنص عبارته ماخوذاً من خطبة منسوبة إلى الإمام عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في " نهج البلاغة " (١)، وقد نقل الأستاذ بعد كلامه هذا بصحيفتين كلاماً عن ابن أبي الحديد في شرح الخطبة المذكورة مِمَّا يدل على أنه مطلع عليها بيقين، ولكن إن كان لِغُلاَةِ الشِيعَةِ هَوًى في تجريح الصحابة ورميهم بالكذب، ليخلصوا إلى إمامة عَلِيٍّ وعصمة الأئمة من بعده، فما هو هَوَى الأستاذ في هذا إلا أن يكون غرضه التشكيك بهم وَهُمْ نَقَلَةُ السُنَّةِ إلينا وعنهم أخذناها؟


(١) " شرح ابن ابي الحديد ": ٣/ ١٣.