للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما عبادته وورعه فقد نقل ابن حجر عَنْ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الطُّفَاوَةِ، قَالَ: «نَزَلْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ أُدْرِكْ مِنْ الصَحَابَةِ رَجُلاً أَشَدَّ تَشْمِيرًا، وَلاَ أَقْوَمَ عَلَى ضَيْفٍ مِنْهُ».

وأخرج أحمد (*) عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ، قَالَ: «تَضَيَّفْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَبْعًا، فَكَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ [يَعْتَقِبُونَ] اللَّيْلَ أَثْلاَثًا: يُصَلِّي هَذَا، ثُمَّ يُوقِظُ هَذَا».

وأخرج ابن سعد عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَلْفَ تَسْبِيحَةً يَقُولُ: «أُسَبِّحُ بِقَدْرِ ذَنْبِي». وروى [معمر بن راشد] (* *) عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، فَقَدِمَ بَعَشَرَةِ آلاَفٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: " اسْتَأْثَرْتَ بِهَذِهِ الأَمْوَالِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، وَعَدُوَّ كِتَابِهِ "، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " لَسْتُ عَدُوَّ اللَّهِ، وَلاَ عَدُوَّ كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا "، قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ هِيَ لَكَ؟ قَالَ: " خَيْلٌ لِي تَنَاتَجَتْ، وَغُلَّةُ رَقِيقٍ لِي، وَأُعْطِيَةٌ تَتَابَعَتْ عَلَيَّ " فَنَظَرُوهُ، فَوَجَدُوهُ كَمَا قَالَ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، دَعَاهُ عُمَرُ لِيَسْتَعْمِلَهُ، فَأَبَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ، فَقَالَ: " أتَكْرَهُ الْعَمَلَ وَقَدْ طَلَبَ الْعَمَلَ مَنْ كَانَ خَيْرًا مِنْكَ يُوسُفُ؟ قَالَ: " إِنَّ يُوسُفَ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنِ نَبِيٍّ، وَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ ابْنُ أُمَيْمَةَ أَخْشَى ثَلاَثًا وَاثْنَيْنِ قَالَ لَهُ عُمَرُ: " أَفَلاَ قُلْتَ: خَمْسًا؟ " قَالَ: " لاَ، أَخْشَى أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَقْضِيَ بِغَيْرِ حُكْمٍ، وَيُضْرَبَ ظَهْرِي، وَيُنْتَزَعَ مَالِي، [وَيُشْتَمَ عِرْضِي] "».

حِفْظُهُ وَقُوَّةُ ذَاكِرَتِهِ:


كان من أثر ملازمة أبي هريرة للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ملازمة تامة، أن اطلع على ما لم يطلع عليه غيره من أقوال الرسول وأعماله، ولقد كان سيء الحفظ حين أسلم، فشكا ذلك إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له: «افْتَحْ كِسَاءَكَ»، فَبَسَطَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «ضُمَّهُ إِلَى صَدْرِكَ» فَضَمَّهُ، فَمَا نَسِيَ حَدِيثًا بَعْدَهُ قَطُّ.

وهذه القصة - قِصَّةُ بَسْطِ الثَّوْبِ - أخرجها أئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأحمد والنسائي، وأبي يعلى، وأبي نعيم.

فما زعمه (جولدتسيهر) من أن هذه القصة موضوعة وضعها العامة تبريراً لكثرة حديثه، إنما هو افتراء محض، وتخيل لا يبرره العلم، وتعصب أوحى به التحامل اليهودي على أكبر صحابي روى حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا أدري ما هي أدلته العلمية في أن هذه القصة مختلقة؟ هل عثر فيما بين يديه من نصوص التاريخ على مَا يُؤَيِّدُ هذه الدعوة، حتى يكذب أئمة الحديث الذين نقلوا هذه القصة وَوَثَّقُوا رُوَاتِهَا؟!.