للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أن الصحابة في عصره اعترفوا له بكثرة الحفظ كما ستسمع، وامتحنه مروان في دقة حفظه، فخرج من الامتحان فائزاً، وذلك كما نقله ابن حجر في " الإصابة " عن أبي الزُعَيْزِعَةِ كاتب مروان: من أن مروان أرسل إلى أبي هريرة فجعل يُحَدِّثُهُ، وأجلس أَبَا الزُعَيْزِعَةِ خلف السرير يكتب ما يُحَدِّث به حتى إذا كان في رأس الحول أرسل إلى أبي هريرة فسأله في تلك الأحاديث، فأعادها عليه، فنظر مروان في المكتوب عنده فما غَيَّرَ حرفاً، ولعل في هذا ما يرد إفك المُسْتَشْرِقِينَ المُتَعَصِّبِينَ وأذنابهم من المُسْلِمِينَ الذين يشككون في حفظ أبي هريرة وصدقه لا لغرض منهم عند أبي هريرة نفسه، ولكنها إحدى محاولاتهم للنيل من الإسلام والتشكيك في سلامة بنيانه.

ثَنَاءُ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَالتَّابِعِينَ وَأَهْلِ العِلْمِ:


قال طلحة بن عبيد الله: «لاَ أَشُكُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ نَسْمَعْ».
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أَبُو هُرَيْرَةَ خَيْرٌ مِنِّي وَأَعْلَمُ بِمَا يُحَدِّثُ».
وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُ [عَنْ شَيْءٍ]، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: عَلَيْكَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَإِنِّي بَيْنَمَا أنا وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَفُلاَنٌ فِي الْمَسْجِدِ، ذَاتَ يَوْمٍ نَدْعُو اللهَ، وَنَذْكُرُ رَبَّنَا خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى جَلَسَ إِلَيْنَا فَسَكَتْنَا فَقَالَ: «عُودُوا لِلَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ» قَالَ زَيْدٌ: فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبَيَّ [قَبْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ]، وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِنَا، ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: " اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِثْلَ مَا سَأَلَكَ صَاحِبَايَ هَذَانِ، وَأَسْأَلُكَ عِلْمًا لاَ يُنْسَى "، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمِينَ»، [فَقُلْنَا]: " يَا رَسُولَ اللهِ وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ عِلْمًا لاَ يُنْسَى "، فَقَالَ: «سَبَقَكُمْ بِهَا الْغُلاَمُ الدَّوْسِيُّ».

وقال عمر لأبي هريرة: «إِنْ كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْفَظُنَا لِحَدِيثِهِ». وَقَالَ أُبَيٌّ بْنِ كَعْبٍ: «إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ جَرِيئًا عَلَى أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عَنْ أَشْيَاءَ لاَ يَسْأَلُهُ عَنْهَا غَيْرُهُ».

وقال الشافعي: «أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ فِي دَهْرِهِ». وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: «رَوَىَ عَنْهُ نَحْوُ الْثََّمَانِمِائَةِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَانَ أَحْفَظُ مِنَ رَوَىَ الْحَدِيثَ فِيْ عَصْرِهِ». وَقَالَ أَبُو صَالِح (*): «كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ أَصْحَابِ رَسُوْلِ الْلَّهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». وَقَالَ سَعِيْدٍ بْنِ أَبِي الحَسَنِ (أَخُو الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ): «لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْصََّحَابَةِ أَكْثَرُ حَدِيثًا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ». وَقَالَ الْحَاكِمُ: «كَانَ مِنْ أَحْفَظِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ