للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى أحمد والنسائي بسند صحيح عن عبد الرحمن بن مهران عن أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت: «لاَ تَضْرِبُوا عَلَيَّ فُسْطَاطَا وَلاَ تَتْبَعُونِي بِمِجْمَرَةٍ وَأَسْرَعُوا بِيَ».

وأخرج البغوي عن أبي هريرة أنه لما حضرته الوفاة بكى فسئل فقال: «مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَشِدَّةِ المَفَازَةِ».

ودخل مروان عليه في مرضه الذي مات فيه قال: «شَفَاكَ اللهُ»، فقال أبو هريرة: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّ لِقَاءَكَ فَأَحِبَّ لِقَائِيِ». ثم خرج مروان فما بلغ وسط السوق حتى مات. وصلى عليه الوليد بن عقبة بن أبي سفيان بعد العصر سَنَةِ سبع أو ثمان أو تسع وخمسين. وعمره ثمان وسبعون أو تسع وسبعون سَنَةً. ولما بلغ معاوية نعيه أمر عامله بالمدينة أن يدفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم ويحسن جوارهم، لأنه كان مِمَّنْ نصر عثمان يوم الدار - رَحِمَهُ اللهُ - ورضي عنه وأجزل مثوبته.

شُبَهُ مُؤَلِّفُ " فَجْرِ الإِسْلاَمِ " عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ:


هذه هي الصورة الصادقة لأبي هريرة كما جاءت في التاريخ، وكما عرفها علماؤنا، فكيف أبرز مؤلف " فجر الإسلام "، هذه الصورة؟
لقد ذكر في أوائل فصل الحديث رَدَّ ابن عباس وعائشة عليه، وتكذيبهما له فيما روى من بعض الأحاديث، ثم زعم أنه يترجم له فاقتصر على ذكر نسبه وأصله وتاريخ إسلامه، وأشار إلى ما رُوِيَ من دعابته ومزاحه - وعرفت غرضه من ذلك - وكان من حق الأمانة العلمية عليه أن يذكر لنا مكانته في الصحابة والتَّابِعِينَ وأئمة الحديث، وثناءهم عليه، وإقرارهم له بالحفظ والضبط والصدق لأن هذا الجانب من ترجمة أبي هريرة أدخل في موضوعنا وأمس به من كل شيء سواه، ولكنه لم يفعل شيئاً من هذا، بل تعرض لآمور يسيء ظاهرها إلى أبي هريرة جِدَّ الإساءة، فكانت محاولة مستورة للطعن فيه، تمشياً مع (جولدتسيهر) وأمثاله من المُسْتَشْرِقِينَ.

وتتلخص دسائسه عليه في الأمور التالية:
أولاً - إن بعض الصحابة - كابن عباس وعائشة - رَدُّوا عليه بعض حديثه وَكَذَّبُوهُ.
ثانياً - إنه لم يكن يكتب الحديث، بل كان يعتمد في روايته على ذَاكِرَتِهِ.