حصل منه شيء في الصدر الأول، لم يجد لذلك مثلاً إلا أبا هريرة وحديث أبي هريرة، وهكذا يحمل مؤلف " فجر الإسلام " حملات منكرة بأسلوب لطيف. على هذا الصحابي العظيم من غير تثبت ولا تحقيق أو متعمداً لذلك ليحقق فكرة خبيثة في ذهن مستشرق ومغلوب على هواه لِيُشَوِّهَ بها سيرة عظمائنا الذين نقلوا إلينا هذا الشرع وحفظوه، ولكنا نقول للأستاذ أحمد أمين ولمن سبقه من المُسْتَشْرِقِينَ ولمن يلحق بهم من المعاندين، إن صحابياً يظل يُحَدِّثُ الناس سبعاً وأربعين سَنَةً بعد وفاة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على مسمع من كبار الصحابة وأقرب الناس إليه، من زوجته وأصحابه ثم لا يلقى إلا تجلة وإعظاما، يرجع إليه في معرفة الأحاديث، ويهرع إليه التابعون من كل جانب، وَيَتَزَوَّجُ منه سيد علماء التَّابِعِينَ الإمام الجريء التقي الورع سعيد بن المسيب ابنته، ويتلقى عنه علمه وحديثه، ويبلغ الآخذون عنه ثمانمائة من أهل العلم، لم نسمع أن أحداً من الصحابة بلغ مبلغه في الآخذين عنه، وكلهم يجمعون على جلالته والثقة به، وينطوي في تاريخ الإسلام ثلاثة عشر قَرْنًا، وهي كلها شهادات صدق في أحاديثه وأخباره. إن صحابياً بلغ في التاريخ ما بلغه أبو هريرة، يأتي إليه اليوم من يزعم أن المُسْلِمِينَ جميعاً أئمة وأصحاباً وتابعين وَمُحَدِّثِينَ لم يعرفوه على حقيقته، وأنه في الواقع كان يكذب ويفتري، إن موقفاً كهذا يقفه بعض الناس من مثل هذا الصحابي العظيم، لجدير بأن يجلب لأهله والقائلين به الاستخفاف والازدراء بعلومهم وعقولهم معاً.