للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حديثه، وكان طبيعياً أن يكون مكان أبي هريرة في «الصُفَّةِ» وهو مكان في المسجد كان يأوي إليه المنقطعون للعلم والجهاد مع رسول الله والذين ليس لهم مال ولا أهل في المدينة، وقد كان في «الصُفَّةِ» كرام الصحابة، وكان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكرمهم ويحث على إكرامهم.

واستمر شأن أبي هريرة كذلك يلازم الرسرل أينما ذهب حتى اختار اللهُ رسوله لجواره. وبهذه الملازمة المستمرة من سَنَةِ سبع إلى عشر والحرص الشديد على تتبع حديث رسول لله من أفواه الذين سبقوا أبا هريرة إلى الإسلام، ومن أفواه زوجاته تَجَمَّعَ لأبي هريرة من الحديث ما لم يَتَجَمَّعْ لغيره من الصحابة الذين لم يفرغوا تفرغه لسماع الحديث ولم يلتزموا ما التزمه أبو هريرة من ملازمة الرسول أينما سار.

تلك هي قصة إسلامه، وقد روى لنا " البخاري " وغيره كالدولابي في " الكُنَى " (المُتَوَفَّى ٣١٠ هـ) حديث هجرته من دَوْسٍ إلى الرسول في المدينة ثم خيبر، وكيف كان يتغنى في طريقه بقوله:

فَيَا لَيْلَة مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا * ... * ... * عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الكُفْرِ نَجَّتْ (١).

وفي الطريق أَبِقَ غُلاَمٌ لأبي هريرة، فلما قدم على النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبايعه ظهر الغلام فقال له الرسول: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلاَمُكَ» فَقَالَ أَبُوهُرَيْرَةَ: «هُوَ [حُرٌّ] لِوَجْهِ اللَّهِ» (٢)، أعتقه فرحاً بلقائه رسول الله ومبايعته على الإسلام!

ومن هذا نرى أن في قصة إسلام أبي هريرة مثلاً من أمثلة الصدق في محبة الرسول واعتناق الإسلام، وفي الشكر على نعمة الله بلقاء رسوله ومبايعته بإعتاق عبده الذي ليس له غيره، ولعمري إنه مَثَلٌ يجد فيه المؤمنون الصادقون ما تفيض به النفس ثقةً ورضى واطمئناناً.

ولكن «أَبَا رَيَّةَ» وقد امتلأت نفسه ضغناً على أبي هريرة، لم ير في قصة


(١) في رواية الدولابي: «تُنَجِّينِي».
(٢) انظر " فتح الباري ": ٨/ ٨٣. و"الكُنى والأسماء ": ١/ ٦١.