للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن ذكر قول أبي هريرة في جعفر: «إِنَّهُ كَانَ خَيْرَ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ». وهذا التقييد (للمساكين) يحمل عليه المطلق الذي جاء عن عكرمة عن أبي هريرة وقال: «مَا احْتَذَى النِّعَالَ» (١). إلخ

٧ - ثم نقل أَبُو رَيَّةَ عن الثعالبي وبديع الزمان الهمذاني ما قيل في طعام يقال له: " المُضَيْرَةَ " وأن أبا هريرة كان يحبها حتى كان يُسَمَّى (شيخ المضيرة) واستشهد بعد ذلك بكلام لِعَبْدِ الحُسَيْن شَرَفَ الدِّين في أبي هريرة من أنه قال: «عَلِيٌّ أَعْلَمُ، وَمُعَاوِيَةُ أَدْسَمُ، وَالجَبَلُ أَسْلَمُ» (٢).

لم يحظر الله في كتابه ولا في سُنَّةِ رسوله، ولا في قواعد شريعته أن يحب الإنسان نوعاً معيناً من أطايب الطعام، وقد كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب الدباء، ويحب من اللحم ذراع الشاة، ويحب الثريد، وهو سيد الرسل وأكرم الزهاد، وأفضل من يُقْتَدَى به، ولم يعرف الإسلام رهبانية البطون، كما لم يعرف رهبانية الفروج، فأي طعن في أبي هريرة، وأي حرج يناله في دينه أو كرامته أو عدالته إذا أحب لوناً دسماً من أنواع الطعام؟

أما إنه كان يأكل المضيرة عند معاوية ويصلي وراء عَلِيٍّ ويقول ما قال، فذلك مِمَّا ترويه كتب الشيعة وكتب الأدب التي لا تُعْنَى بصحة الأخبار كالثعالبي والهمذاني.

والثابت عندنا أنه لم يشترك في الفتنة بين عَلِيٍّ ومعاوية، وقد طَهَّرَ الله منها سيفه وصفحة تاريخه، كما طَهَّرَ منها كثيراً من الصحابة وعلمائهم وَعُبَّادِهِمْ.

ولا يطعن في أبي هريرة بهذا إلا الذين اشتدوا في التعصب لمذهبهم، وَأَبُو رَيَّةَ لا يعلن عن نفسه أنه شيعي، فلماذا ينقم على أبي هريرة صنيعه ذاك - إِذَا صَحَّ - كما تنقم عليه الشيعة؟! ..


(١) " فتح الباري ": ٧/ ٦٢.
(٢) ص ١٥٦ - ١٥٧.