للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلها، فهذا الشعبي تكلم شاب عنده يوماً فقال له الشعبي: «مَا سَمِعْنَاهُ بِهَذَا، فَقَالَ الشَابُّ: " كُلَّ العِلْمِ سَمِعْتَ؟ " قَالَ: " لاَ ". قَالَ: " فَشَطْرُهُ؟ " قَالَ: " لاَ ". قَالَ: " فَاجْعَلْ هَذَا فِي الشَطْرِ الثَّانِي الذِي لَمْ تَسْمَعْهُ "» (١).

بل لقد خفي على عدد من جِلَّةِ الصحابة كثير من الأحاديث مع قربهم من رسول الله، فقد خفي عن عمر حَدِيثَ الجزية على المجوس، وحديث الرباء، حتى أخبره بهما عبد الرحمن بن عوف، وخفي عنه حديث الاستئذان حتى أخبره به أبو موسى، وخفي عنه وعن ابن مسعود حديث التيمم، وكان علمه عند عمار وغيره، وخفي على عائشة وابن عمر وأبي هريرة حديث المسح، وعلمه عَلِيٌّ وحذيفة، وخفي على عمر وزيد بن ثات حكم الإذن للحائض في أن تَنْفُرَ قبل أن تطوف، وعلمه ابن عباس وأم سليم، وخفي على ابن عباس تحريم المتعة حتى أخبره به الصحابة، وخفي على طلحة وابن عباس وابن عمر، حديث الصرف، وعلمه عمر وأبو سعيد وغيرهما، ومثل هذا كثير وقع من الصحابة (٢)، فلم يعبهم بذلك أحد، ولا رماهم بأنهم جهلة بحديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكثيراً ما حكموا بخلاف ما روي لهم قبل أن يبلغهم ذلك، فأبو حنيفة أحق أن يعذر في مثل هذا الموطن.

٤ - إن لأبي حنيفة شروطاً دقيقة في قبول الأخبار حمله عليها فُشُوُّ الكذب في الحديث في عهده، فأراد أن يحتاط لدين الله - عَزَّ وَجَلَّ -، فَتَشَدَّدَ في قبول الأخبار، ومن شروطه في ذلك:

[١] ألا يعارض خبر الآحاد الأصول المجتمعة عنده بعد اسقراء موارد الشرع، فإذا خالف تَرَكَهُ، عملاً بأقوى الدليلين، وعد الخبر شاذاً.

[٢] ألا يعارض عمومات الكتاب وظواهره، فإذا عارضها أخذ بظاهر الكتاب وترك الخبر، عملاً بأقوى الدليلين، أما إذا كان بياناً لمجمل، أو نصاً لحكم جديد، فيأخذ به.


(١) " تدريب الراوي ": ١٠٨.
(٢) انظر ابن حزم في " الإحكام ": ٢/ ١٢٧.