للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ تَوْهِينِ العُلَمَاءِ لِبَعْضِ تِلْكَ الأَحَادِيثِ نَاشِئٌ مِنْ حُكْمِهُمُ عَلَيْهَا بِالنَّظَرِ إِلَى الطُّرُقِ التِي وَصَلَتْهُمْ، أَمَّا بِالنَّظَرِ لِطَّرِيقِ مَالِكٍ فَهِيَ عِنْدَهُ صَحِيحَةٌ، وَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ رَأْيُِهُ فِيْ شُيُوخِهِ وَمَنْ رَوَىَ عَنْهُمْ إِذْ هُوَ أَدْرَى? بِهِمْ وَأَعْرَفُ».

وقد بلغت روايات " المُوَطَّأ " المتداولة نحواً من ثلاثين نسخة من أشهرها: "موطأ يحيى بن يحيى الليثي " و"موطأ ابن بُكَيْرٍ " و"موطأ أبي مُصعب " و"موطأ ابن وَهْبٍ " و"موطأ الإمام محمد بن الحسن " وهذه النسخ تختلف فيما بينها تقديماً وتأخيراً وزيادة ونقصاً لاختلاف الزمن الذي رويت فيه عن مالك، مع ما كان عليه - رَحِمَهُ اللهُ - من إدامة النظر في " موطئه " فلا يبعد أن يزيد فيه أحياناً، وأن ينقص منه أحياناً حسبما يتراءى له من النظر.

ولهذا اختلفت الأقوال في عدد أحاديث " المُوَطَّأ " نظراً لاختلاف النسخ المتداولة، فأبو بكر الأَبْهُرِي يقول: «جُمْلَةُ مَا فِي " المُوَطَّأِ " مَنَ الآثَارِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، أَلْفٌ وَسَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا، المُسْنَدُ مِنْهَا سِتُّمِائَةِ حَدِيثٍ، وَالمُرْسَلُ مِائَتَانِ وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا، وَالمَوْقُوفُ سِتُّمِائَةِ وَثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَمِنْ قَوْلِ التَّابِعِينَ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ».

أما " موطأ محمد بن الحسن " وهو من أشهر نسخ " المُوَطَّأ " وله شهرة عظيمة في الحرمين والهند، فقد بلغ ما فيه من الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم - مسندة، ومرسلة، ومنقطعة - ثمانين ومائة وألفاً، منها عن مالك خمسة وألف، ومنها عن أبي حنيفة، ثلاثة عشر، وعن أبي يوسف، أربعة والباقي عن غيرهما.

وما زال علماء الحديث يتداولون " المُوَطَّأ " شرحاً وتخريجاً، ومِمَّنْ شرحه الحافظ ابن عبد البر (٤٦٣) فقد ألف فيه شرحين:

الأول: " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " رَتَّبَ فيه شيوخ مالك على حروف المعجم، وقد قال فيه ابن حزم: «لاَ أَعْلَمُ فِي الكَلاَمِ عَلَىَ فَقْهِ الحَدِيثِ مِثْلَهُ فَكَيْفَ بِأَحْسَنِ مِنْهُ؟!».