طهارته، فكيف بأن يمسه وهو لا يعلم. والله لا يؤاخذ الناس بما لا يعلمون، فإن النائم قد يهجر (أَيْ يَهْذِي) في نومه فَيُطَلِّقُ وَيَكْفُرُ وَيَفْتَرِي، ثم لا يكون بشيء من ذلك مُؤَاخَذًا في أحكام الدنيا ولا في أحكام الآخرة.
فأجاب ابن قتيبة بقوله: «ونحن نقول: إن هذا النظار علم شيئاً وغابت عنه أشياء، أما علم أن كثيراً من أهل الفقه قد ذهبوا إلى أن الوضوء يجب من مس الفرج في المنام وفي اليقظة بهذا الحديث وبالحديث الآخر " مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ " وإن كنا نحن لا نذهب إلى ذلك، ونرى أن الوضوء الذي أُمِرَ به من مَسَّ فرجه، غسل اليد، لأن الفروج مخارج الحدث والنجاسات. إلى أن يقول: فإذا كان الوضوء من مَسَّ الفرج هو غسل اليدين تبين أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر المستيقظ من منامه أن يغسل يده قبل أن يدخلها الإناء لأنه لا يدري أين باتت يده، يقول: لعله في منامه مَسَّ بها فرجه أو دبره .. وليس يؤمن أن يصيب يده شيء من النجاسات .. وخص النائم بهذا، لأن النائم قد تقع يده على هذه المواضع وهو لا يشعر، فأما اليقظان فإنه إذا لمس شيئاً من هذه المواضع فأصاب يده منه أذى علم به ولم يذهب عليه فيغسلها قبل أن يدخلها في الإناء أو يأكل أو يصافح». اهـ. (١).
هذا مثل العقل المعتزلي «الصريح» وعقل المُحَدِّثِ «الضعيف».
وأزيد على ذلك أن مبادئ الصحة العامة تجعل عقل الطبيب في هذه المسألة يُؤَيِّدُ عقل المُحَدِّثِ، لا عقل المعتزلي.
وقصارى القول أن أئمة الحديث وفقهاء المُسْلِمِينَ لم يلغوا عقولهم عند تصحيح الأحاديث، وإنما أوقفوها عند الحد الذي يجب أن تقف عنده بحكم الشرع، وبحكم العقلاء غير «المغرورين» بعقولهم.
(١) ص ١٦٠ - ١٦٢ باختصار بسيط. ويلحظ أيضاً أن كلام المعتزلة في هذا الحديث يفيد أنهم فهموا أنه يوجب اعتبار يد النائم نجسة، وهذا سوء فهم منهم، فالأمر النبوي بغسلها ليس لنجاستها، بل للنظافة احتياطا ضد القذارة التي يحتمل أن تلحق النائم بلمسها أو حَكِّهَا بعض أماكن قذرة من بدنه، ولا يحتمل مثل ذلك في بقية أعضاء بدنه كالأذن والأنف والعين مِمَّا ليس أداة للمس والحك كاليد. فليتأمل في هذه (العقول الصريحة) التي لا تميز بين اليد والأنف والعين في هذا الشأن!!.