ثَالِثاً: إنه أطرى كتابه بقوله: «وهذه الدراسة الجامعة التي قامت على قواعد التحقيق العلمي، هي الأولى في موضوعها. لم ينسج أحد من قبل على منوالها .. » وقوله: «وبخاصة لأن هذا المُصَنَّفَ لم يكن له من قبل مثال نحتذيه، ولا طريق عَبَّدَهُ لنا أحد مِمَّنْ سبقنا فنتبعه ونسير عليه». وقد كان يجب أن يؤلف مثله منذ ألف سَنَةٍ.
ونحن نعلم أن من أبرز صفات العالم تواضعه، ومن أبغض صفاته عند الله وعند الناس تفاخره بعلمه وجهوده، ومن قواعد شريعتنا أن تفاخر الإنسان بعمله يحبط أجره، ومن أخلاق علمائنا أن يعترفوا في مقدمة كتبهم باحتمال الخطأ والزلل، وأن يطلبوا مِمَّنْ يَطَّلِعُ على خطأ في كتبهم أن يصلحها ويستغفر لمؤلفها، ولا أريد أن أتحدث عن مغزى إطراء المؤلف لكتابه من الناحية النفسية. فهو - على ما يظهر - عليم بالتحليل النفسي أيضاً،! ولكني أذكر هنا كلمة لابن عطاء الله السكندري - رَحِمَهُ اللهُ -: «لأَنْ تَصْحَبَ جَاهِلاً لاَ يَرْضَىَ عَنْ نَفْسِهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَصْحَبَ عَالِمًا يَرْضَىَ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَيُّ عِلْمٍ لِعَالِمٍ يَرْضَىَ عَنِ نَفْسِهِ؟ وَأَيُّ جَهْلٍ لِجَاهِلٍ لاَ يَرْضَىَ عَنِ نَفْسِهِ؟».
رَابِعاً: إنه كان قاسياً مع من يظن أنهم سَيَتَوَلَّوْنَ الرَدَّ عليه، فقال في حقّهم:«وقد ينبعث له من يتطاول إلى معارضته مِمَّنْ تعفَّنت أفكارهم وتحجرت عقولهم» وقال في آخر كتابه بعد أن تفاخر بجهوده في هذا الكتاب: «وأن تضيق به صدور الحشوية وشيوخ الجهل من زوامل الأسفار، الذين يخشون على علمهم المُزَوَّرِ من سطوة الحق، ويخافون على كساد بضاعتهم العفنة التي يستأكلون بها أموال الناس أن يكشفهم نور العلم الصحيح، ويهتك سترهم ضوء الحُجَّةِ البالغة، فهذا لا يهمنا، إذ ليس لمثل هؤلاء خطر عندنا ولا وزن في حسابنا».
وسيمر بك في تَعَقُّبِنَا إياه على ما كتبه عن الصحابي الجليل أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أنه وصفه بألفاظ نابية بذيئة يترفع عنها السوقة، ولم يقل في حقه مثلها المُسْتَشْرِقُونَ من اليهود والنصارى!!
ولا أدري إن كان من قواعد التحقيق العلمي التي لم ينسج أحد من قبل على منوالها أن يكون مُدَّعِي العلم قليل الأدب بذيء الكلام، شنيع التهجم على