للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وواضح مِمَّا ذكره الشافعي هنا - رَحِمَهُ اللهُ - أنه يجزم بأن الحكمة هي السُنَّةُ، لأن الله عطفها على الكتاب، وذلك يقتضي المغايرة، ولا يصح أن تكون شيئاً غير السُنَّةِ، لأنها في معرض المِنَّةِ من الله علينا بتعليمنا إياها، ولا يمن إلا بما هو حق وصواب، فتكون الحكمة واجبة الاتباع كالقرآن، ولم يوجب علينا إلا اتباع القرآن والرسول، فتعين أن تكون الحكمة هي ما صدر عن الرسول من أحكام وأقوال في معرض التشريع.

وإذا كان كذلك، كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أوتي القرآن وشيئاً آخر معه يجب اتِّبَاعَهُ فيه. وقد جاء ذلك مصرحاً في قوله تعالى في وصف الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (١) وما دام اللفظ عَامًّا فهو شامل لما يحله ويحرمه مِمَّا مصدره القرآن، أو مصدره وحي يوحيه الله إليه، وقد روى أبو داود عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوله: «أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ».

ويدل على ذلك أن الله أوجب على المُسْلِمِينَ اتباع الرسول فيما يأمر وينهى فقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (٢) وقرن طاعة الرسول بطاعته في آيات كثيرة من القرآن فقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (٣)، وحث على الاستجابة لما يدعو، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (٤)، واعتبر طاعته طاعة لله واتباعه حُبًّا لله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (٥). وقال أيضاً: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ


(١) [سورة الأعراف، الآية: ١٥٧].
(٢) [سورة الحشر، الآية: ٧].
(٣) [سورة آل عمران، الآية: ١٣٢].
(٤) [سورة الأنفال، الآية: ٢٤].
(٥) [سورة النساء، الآية: ٨٠].