للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَذْهَبُوا إلَى قَوْلٍ وَلاَ مَذْهَبٍ عِلْمِيٍّ إلاَّ بَعْدَ اسْتِئْذَانِهِ، وَإِذْنُهُ يُعْرَفُ بِدَلاَلَةِ مَا جَاءَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ أُذِنَ فِيهِ» (١).

من هذا كله كان لاَ بُدَّ للصحابة من الرجوع إلى الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يُفَسِّرُ لهم أحكام القرآن وَيُبَيِّنُ لهم مشكلاته، ويحكم بينهم في المنازعات ويحل بينهم الخصومات، وكان الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - يلتزمون حدود أمره ونهيه، وَيَتَّبِعُونَهُ في أعماله وعباداته ومعاملاته - إلا ما علموا منه أنه خاص به - فكانوا يأخذون منه أحكام الصلاة وأركانها وهيئاتها نزولاً عند أمره - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (٢) ويأخذون عنه مناسك الحج وشعائره امتثالاً لأمره أيضاً «خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ» (٣) وقد يغضب إذا علم أن بعض صحابته لَمْ يَتَأَسَّ به فيما يفعله، كما روى مالك في " الموطأ " عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنِ رَجُلا مِنَ الصََّحَابَةِ أَرْسَلَ امْرَأَتَهُ تَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حُكْمِ تَقْبِيْلِ الصَّائِمِ لِزَوْجَتِهِ، فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ»، فَرَجَعَتْ إِلَىَ زَوْجِهَا فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: " لَسْتُ مِثْلَ رَسُولِ اللهِ، يُحِلُّ اللهُ لِرَسُولِهِ مَا يَشَاءُ "، فَبَلَغَ قَولُهُ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَضِبَ وَقَالَ: «إِنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ» (٤) وكما غضب حين أمر الصحابة بالحلق والإحلال من الإحرام في صلح الحديبية فلم يفعلوا، إذ شق ذلك عليهم حتى بادر بنفسه فتحلل فابتدروا يقتدون به.

وقد بلغ من اقتدائهم به أَنْ كانوا يفعلون ما يفعل ويتركون ما يترك، دُونَ أن يعلموا لذلك سبباً أو يسألوه عن عِلَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ، فقد أخرج " البخاري " عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، قال: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ،


(١) " إعلام الموقعين ": ١/ ٥٨
(٢) أخرجه " البخاري " عن مالك بن الحويرث.
(٣) أخرجه " مسلم " عن جابر.
(٤) أخرجه " مسلم " عن عمر بن أبي سلمة وأخرجه الشافعي أيضاً في " الرسالة ": ص ٤٠٤ مرسلا عن عطاء.