للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغيرها (١)، كما ثبت " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ لِبَعْضِ عُمَّالِهِ كُتُبًا حُدِّدَتْ فِيهَا مَقَادِيرُ الزَّكَاةِ فِي الإِبِلِ وَالغَنَمِ " (٢).

وقد اختلف العلماء في التوفيق بين أحاديث النهي عن الكتابة وبين هذه الآثار التي تدل على الإذن بها، فالأكثرون على أن النهي منسوخ بالإذن، ومن قائل بأن النهي خاص بمن لا يُؤمَنُ عليه الغلط والخلط بين القرآن وَالسُنَّةِ، أما الإذن فهو خاص بمن أُمِنَ عليه ذلك، وأعتقد أنه ليس هنالك تعارض حقيقي بين أحاديث النهي وأحاديث الإذن، إذا فهمنا النهي على أنه نهي عن التدوين الرسمي كما كان يُدَوِّنُ القرآن، وأما الإذن فهو سماح بتدوين نصوص مِنَ السُنَّةِ لظروف وملابسات خاصة أو سماح لبعض الصحابة الذين كانوا يكتبون السُنَّةَ لأنفسهم (٣) والتأمل في نص حديث النهي قد يؤيد هذا الفهم، إذ جاء عَامًّا مخاطبًا فيه الصحابة جميعا. لا يقال: إن ذلك يقتضي أن يكون الحكم باقيا على الحرمة ما دام السماح لظروف خاصة ولأشخاص معينين، لأننا نقول: إن سماح الرسول لعبد الله بن عمرو بكتابة صحيفته واستمراره في الكتابة حتى وفاة الرسول، دليل على أن الكتابة مسموح بها في نظر الرسول إذا لم يكن تدويناً عَامًّا كالقرآن، ويؤكد الإذن بالكتابة، ما جاء في " البخاري " عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعُهُ قَالَ: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» وَلَكِنَّ عُمَرَ حَالَ دُونَ ذَلِكَ بِحُجَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ قَدْ غَلَبَهُ الوَجَعُ، وهذا مِمَّا يؤيد الرأي القائل بأن آخر الأمرين كان هو الإذن، لا كما ذهب إليه المرحوم رشيد رضا من أن الإذن وقع أَوَلاً ثم نُسِخ بالنهي (٤).


(١) المصدر السابق والرقم السابق.
(٢) المصدر والرقم السابقان.
(٣) ويؤكده ما أخرجه الخطيب في " تقييد العلم ": ص ٤٧ عن الضحاك من قوله: «لاَ تَتَّخِذُوا لِلْحَدِيثِ كَرَارِيسَ كَكَرَارِيسِ المَصَاحِفِ».
(٤) " مجلة المنار "، مجلد ١٠، ج ١٠.