وَسَلَّمَ - حَدِيثًا وَاحِداً»، وكان أنس بن مالك يُتْبِعُ الحديث عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله:«أَوْ كَمَا قَالَ» حَذَرًا مِنَ الوُقُوعِ فِي الكَذِبِ عَلَيْهِ. فما صنعه الزبير وزيد بن أرقم وأمثالهما من المُقِلِّينَ، إنما كان خَوْفًا من الوقوع في خطأ لم يقصدوه، ويظهر أن ذاكرتهم لم تكن من شأنها أن تسعفهم بإيراد الحديث على لفظه أو وجهه الذي سمعوه من النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان من الاحتياط في دين الله عندهم أن لا يكونوا من المُكْثِرِينَ.
ولقد أضيف إلى هذا رغبة عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ألاَّ يكثروا من التحديث عن الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - كي لا ينشغل الناس بالحديث عن القرآن، والقرآن غَضٌّ طَرِيٌّ. فما أحوج المُسْلِمِينَ إلى حفظه وتناقله، والتثبت فيه، والوقوف على دراسته!!
ومن الصحابة من كان يكثر الحديث عن الرسول ويستكثر منه أيضاً، فأبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كان من أوعية الحديث التي فاضت على المُسْلِمِينَ فملأت بأخبار رسول اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأحاديثه صدورهم ومجالسهم، وعبد الله بن عباس كان يطلب الحديث عند كبار الصحابة ويتحمل في سبيل ذلك عناء مشقة، أخرج ابن عبد البر عن ابن شهاب أن ابن عباس قال: «كَانَ [يَبْلُغُنِي] الْحَدِيثُ عَنِ الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ حَتَّى [يَجِيئَ] فَيُحَدِّثَنِي فَعَلْتُ وَلَكِنِّي كُنْتُ أَذْهَبُ إِلَيْهِ فَأَقِيلُ عَلَى بَابِهِ حَتَّى