تعبير وَأَدَقِّهِ وَأَوْسَعِهِ، وأكثره مراناً ومسايرة للعصور، وتحقيقاً لحاجة بني الإنسان على اختلاف ديارهم وأزمانهم.
وشريعة الإسلام - في مصادرها الأولى - وفي بحوث فقهائها وأئمتها - رحبة الفناء، واسعة النهج، تتسع لكل حادثة، وتحل كل مشكلة، وتقيم موازين القسط بين الأفراد والجماعات والحكومات، وتحقق للشعب الطائع اليقظ الراقي المتحفز، وللدنيا في مختلف أقطارها، الدولة العادلة المسالمة التي تجنح لِلْسِلْمِ حين يجنح له غيرها، وتذود عن كرامة العقيدة والأخلاق والحرية الصادقة، حين يميل إلى العدوان عليها معتد أثيم أو باغ ماكر.
ومصادر التشريع الإسلامي معروفة لدى المُسْلِمِينَ موثوقة محفوظة، ولا شك في أن السُنَّةَ المُطَهَّرَةَ، وهي ثانية هذه المصادر، أوسعها فروعا، وأحفلها نظماً، وأرحبها صدراً، إذ كان كتاب الله الكريم متضمناً للقواعد العامة في التشريع وللأحكام الكلية في الغالب، مِمَّا جعله خالداً خلود الحق، بَيْدَ أَنَّ السُنَّةَ الكريمة عنيت بشرح هذه القواعد، وتثبيت تلك النظم، وتفريع الجزئيات على الكليات، مِمَّا يعرفه كل من درس السُنَّةَ دراسة وافية، ومن ثم لم يكن لِلْمُتَشَرِّعِينَ من علماء الإسلام مندوحة من الاعتماد على السُنَّةِ، واللجوء إليها والعناية بها والاسترشاد بأحكامها المنصوصة على أحكام الحوادث الطارئة.
ولقد تعرضت السُنَّةُ في القديم لهجمات بعض الفرق الإسلامية الخارجة على سُنَنِ الحق لشبهات طارئة لم تجد في نفوس أتباعها ما يدفعها، كما تعرضت في العصر الحاضر لهجمات بعض المُسْتَشْرِقِينَ المُتَعَصِّبِينَ من دُعاة التَبْشِيرِ وَالاِسْتِعْمَارِ، ابتغاء الفتنة وابتغاء هدم هذا الركن المتين من أركان التشريع الإسلامي الوارف الظلال وتابعهم على ذلك بعض المؤلفين من أبناء أُمَّتِنَا، اغتراراً بما يضفيه أولئك المُسْتَشْرِقُونَ على بحوثهم من زخارف علمية لا تثبت أمام النقد العلمي النزيه أو اندفاعا وراء