للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول شيخ الإسلام عن توحيد الربوبية: " وهو سبب لتوحيد الألوهية، ودليل عليه، كما يحتج به في القرآن على المشركين. فإن المشركين كانوا يقرون بهذا التوحيد ـ توحيد الربوبية ـ ومع هذا يشركون بالله ". (١)

وكذا يُشِير إلى هذا المعنى الإمام ابن القيم، فيقول عن توحيد الربوبية:" ولهذا يُحتج عليهم به على توحيد الإلهية، وأنه لا ينبغي أن يُعبد غيره، كما أنه لا خالق غيره، ولا رب سواه ". (٢)

وهذا الذي فهمه السلف، فقد ورد عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في تفسير قوله تعالى: " وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (١٠٦) " (يوسف ١٠٦): قوله:"قال: من إيمانهم، إذا قيل لهم: من خلق السماء؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله. وهم مشركون ". (٣)

وهو مروي عن عن عكرمة، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، عطاء. (٤)

وبهذا فسَّر الإمام السمعاني هذه الآية، وأورد سؤالاً مفاده: " فإن قيل: كيف يجوز اجتماع الإيمان مع الشرك في الواحد ". الجواب من وجوه:

أحدها: أن معناه: وما يقر أكثرهم بالله، إلا وهم مشركون بقلوبهم وضمائرهم.

والثاني: أن مشركي مكة كانوا إذا قيل لهم: من خلقكم؟ قالوا: الله، وإذا قيل لهم: من يرزقكم؟ قالوا: الله، وإذا قيل لهم: من خلق السموات الأرض؟ قالوا: الله، ثم مع ذلك يعبدون الأصنام.

والقول الثالث: أن معنى شركهم، هو شركهم في التلبية ". (٥)

وهذا المعنى الذي أشرنا إليه، وهو أن المشركين كانوا مقرين بالربوبية، وأن القرآن يلزمهم بهذا الإقرار، الإقرار بالألوهية، وقد أفاض الإمام السمعاني في بيان هذا المعنى في أكثر من موطن في تفسيره، ومن ذلك:


(١) ((ابن تيمية: الحسنة والسيئة: (١٢٧)
(٢) ((ابن القيم: مدارج السالكين، دار الكتاب العربي، بيروت، ط ٣، ١٤١٦ هـ، (١/ ٩٦)
(٣) ((الطبري: جامع البيان: ١٦/ ٢٨٦
(٤) ((الطبري: جامع البيان: ٢٨٦ - ٢٨٩
(٥) ((السمعاني: تفسير القرآن: ٣/ ٧١

<<  <   >  >>