للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأهل السنة والهدى، قالوا: لا يستوجب العبد على الله تعالى بسعيه نجاة ولا فلاحاً، ولا يدخل أحداً عملُه الجنة أبداً، ولا ينجيه من النار. والله تعالى بفضله وكرمه، ومحض جوده وإحسانه، أكد إحسانه وبره، بأن أوجب لعبده عليه سبحانه حقاً بمقتضى الوعد، فإن وعد الكريم إيجاب، وهو بعسى ولعل. فالرب سبحانه ما لأحد عليه حق، ولا يضيع لديه سعي، كما قيل: (ما للعباد عليه حق واجب ... ** ... كلا ولا سعي لديه ضائع

إن عذبوا فبعدله، أو نعموا ... ** ... فبفضله، وهو الكريم الواسع) (١)

وهذا القدر متفق عليه بين العلماء، يقول ابن تيميه: " وقد اتفق العلماء على وجوب ما يجب بوعده الصادق ". (٢)

[المطلب الثالث: معنى اللطف الإلهي، وهل يتناهى أم لا؟!]

مسألة اللطف الإلهي هي من المسائل التي نازع فيها المعتزلة، بناء على قولهم في خلق أفعال العباد، ووجوب فعل الأصلح، ولذا قالوا في معنى الهداية والإضلال، إن الهداية، هي التوفيق واللطف، والإضلال: التخلية ومنع الألطاف (٣)، ومعنى اللطف عندهم: هو الفعل الذي يقرب العبد إلى الطاعة، ويبعد عن المعصية، كبعثة الأنبياء (٤)، وهم لا يذهبون إلى أن الله يخلق الهداية بناء على مذهبهم، وكذا ما يرد من لفظ الجعل يجعلونه من هذا القبيل، كقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:١٤٣]، فإنهم يقولون: المراد من هذا الجعل، فعل الألطاف التي علم الله تعالى أنه متى فعلها لهذه الأمة، اختاروا عندها الصواب في القول والعمل، وردَّ عليهم الرازي هذا التأويل. (٥)


(١) ينظر: ابن القيم: مدارج السالكين: ٢/ ٣٢٣، ابن تيمية: منهاج السنة: ٦/ ٣٩٦، حسن حنفي: علم أصول الدين: ١١٠، ابن حزم: الفِصل: ٣/ ٥٩
(٢) ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم: ٢/ ٣١٠
(٣) الزمخشري: تفسير الزمخشري: ٢/ ٥٣٩
(٤) الإيجي: المواقف: ٣/ ٢٨٣
(٥) الرازي: مفاتيح الغيب: ٤/ ٨٥

<<  <   >  >>