للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب التاسع: حكم إيلام الأطفال دون ذنب؟!]

أشار السمعاني إلى أنه يجوز عند أهل السنة، أن يوجد الله تعالى الألم إلى ما يشاء من عباده بغير ذنب سبق منه، وكذلك على جميع الحيوانات (١). وهذه المسألة كما هو معلوم، لها ارتباط بمسألة الحكمة والتعليل، وبمعنى العدل والظلم. فالأشاعرة جوزوا أن يدخل الله تعالى الطائع النار، والكافر الجنة، بناء على أن الله لا يظلم، وفسروا الظلم بأنه التصرف في الملك، والله له أن يتصرف في ملكه ما يشاء، مضافاً إليه نفيهم للحكمة والتعليل، فيفعل لا لحكمة، فهم لم يفرقوا بين مخلوق ومخلوق، ثم أجازوا تعذيب الحيوان بلا ذنب، ولا يلزم عليه ثواباً، ولذلك أنكرت ذلك المعتزلة؛ لأنه قبيح، وقالوا: لا يكون الإيلام من الله، ولا يحسن منه أن يضر الحيوان، إلا بجرم سابق، أو عِوض لاحق، ورد عليهم السمعاني، حين قال: " يجوز عند أهل السنة أن يوجد الله تعالى الألم إلى ما يشاء من عباده بغير ذنب سبق منه"، ولكنه لما كان يثبت الحكمة، لم يحصر حكمته في الثواب والعِوض، فإن لله تعالى فيما يخلقه من أذى الحيوان، حكم عظيمة، وحَصْرُها فيما ذكره المعتزلة، فيه قياس لله تعالى على الواحد من الناس، وتمثيل لحكمة الله وعدله، بحكمة الواحد من الناس وعدله.

والخلاصة: أن الله تعالى لا يعذب في الآخرة أحداً إلا بذنب، وما يجريه في الدنيا من أنواع الآلام، فهي جائزة لكنها لا تخرج عن مقتضى الحكمة الإلهية، أدركناها أم لم ندركها. (٢)

لكن إن قيل: ما وجه الآية في قوله تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) الشورى ٣٠؛ لأنه قد نرى من تصيبه المصيبة بغير ذنب سبق منه؟ وأجاب السمعاني عن هذا التساؤل من ثلاثة أوجه:

١ - هي الحدود تقام على العاصي، ولا تقام إلا على العاصين، قال: وهو قول حسن.

٢ - يراد بها المعاقبة فيما كسبت أيديكم، فعلى هذا يجوز أن يصيب الإنسان مصيبة من غير ذنب ولا كسب، إذا لم يرد بها المعاقبة.


(١) السمعاني: تفسير القرآن: ٥/ ٧٨
(٢) ابن تيمية: مجموع الفتاوى: ٨/ ١٢٥، ابن القيم: مفتاح دار السعادة: ١/ ٢٧٤

<<  <   >  >>