للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة الثانية: ما تأويل قوله جل وعلا:" إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" (المائدة ٣٣):

وهل بقدرة أحد من البشر محاربة الله جل وعلا، الذي بيده ملك كل شيء، وكل شيء تحت قبضته، والخلق مقهورون بقدرته؟!

أجاب العلماء عن هذه بأجوبة:

١ - أنه محمول على حذف المضاف، أي: محاربون أولياء الله ورسوله، قال السمين الحلبي (١): كذا قدره الجمهور (٢)، فتقدير المضاف، غير الله ورسوله، وهم عباد الله تعالى، ولذا قال ابن جُزي (٣): "وهو أحسن" (٤)،ورجحه القرطبي فقال: "استعارة ومجاز؛ إذ الله سبحانه وتعالى لايحارب، ولايغالب؛ لما هو عليه من صفات الكمال، ولما وجب من التنزيه عن الأضداد والأنداد، والمعنى: يحاربون أولياء الله، فعبَّر بنفسه العزيزه عن أوليائه إكبارًا لإذايتهم " (٥) وهذا هو القول الأول الذي أشار إليه السمعاني في توجيه هذه الآية (٦).

٢ - أنه محمول على حذف المضاف، لكن تقديره: يحاربون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبه قدره الزمخشري في تفسيره (٧)، وضعفه ابن جُزي، وقال: " وقال بعضهم: تقديره: يحاربون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك ضعيف؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكر بعد ذلك " (٨)، وبين السمين الحلبي هذا المعنى فقال: يعني: أن المقصود أن يخبر بأنهم يحاربون رسول الله، وإنما ذكر اسم الله تبارك وتعالى؛ تعظيما وتفخيما لمن يُحارب " (٩).


(١) ((السمين الحلبي: أحمد بن يوسف، مفسِّر، عالم بالعربية والقراءات، شافعي، من أهل حلب، استقر واشتهر في القاهرة، من كتبه: الدر المصون، وشرح الشاطبية، توفي سنة ٧٥٦ هـ. الزركلي: الأعلام:١/ ٢٧٤
(٢) ((السمين الحلبي: الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، دار القلم، دمشق (٤/ ٢٥٠)
(٣) ((ابن جزي الكلبي: محمد بن أحمد (٦٩٣ هـ-ت ٧٤١ هـ) فقيه، من العلماء بالأصول واللغة، من أهل غرناطة، من كتبه: القوانين الفقهية، وتقريب الوصول لعلم الأصول، الزركلي: الأعلام،٥/ ٣٢٥.
(٤) ((ابن جزي: التسهيل لعلوم التنزيل: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم-بيروت-ط ١، ١٤١٦ هـ (١/ ٢٢٩)
(٥) ((القرطبي: الجامع لأحكام القرآن:٦/ ١٥٠.
(٦) ((السمعاني: تفسير القرآن:٢/ ٣٤.
(٧) ((الزمخشري: الكشاف:١/ ٦٢٨.
(٨) ((ابن جزي: التسهيل:١/ ٢٢٩.
(٩) ((السمين الحلبي: الدر المصون:٤/ ٢٥٠.

<<  <   >  >>