للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثانية: حكم الإقرار بهذا النوع من التوحيد مجردا عن غيره]

إن هذا الإقرار بمفرده، لم يدخلهم في الإسلام، ولذلك قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم، واستحل دماءهم؛ لأنهم أنكروا استحقاق الإلهية لله وحده، واشركوا معه غيره. وقد حكم الله تعالى عليهم بالإشراك والكفر، فقال: " وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (١٠٦) " (يوسف ١٠٦)، ولذا بعد أن بين الإمام السمعاني؛ أن هؤلاء مقرون بربوبية الله في التخليق والترزيق، إلا أنهم مشركون في قلوبهم وضمائرهم، ويعبدون مع الله غيره، من الأصنام والأوثان، قال: " وليس المراد من الإيمان، هو حقيقة الإيمان الذي يصير به الإنسان مؤمناً، وإنما المراد ما بينا " (١). أي: أنهم أقروا بالربوبية، وأشركوا في الألوهية.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " وهذا التوحيد (أي: الألوهية): هو الفارق بين الموحدين والمشركين، وعليه يقع الجزاء والثواب في الأولى والآخرة، فمن لم يأت به كان من المشركين الخالدين، فإن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ". (٢)

ولا يُعترض على هذا بأن الله تعالى، وصفهم بالإيمان فقال: " وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (١٠٦) " (يوسف ١٠٦)، لأنه لا يراد به حقيقة الإيمان، وإنما المعنى: أن اكثرهم مع إظهارهم الإيمان بألسنتهم، مشركون. (٣) والمراد بإيمانهم: اعترافهم بأن الله تعالى ربهم الذي هو خلقهم، ومدبر شؤونهم، والمراد بشركهم: عبادتهم غيره معه. (٤)

وهو بهذا التقرير يُغلق الباب على المبتدعة القبوريين وأضرابهم، ممن سوغوا للشرك بجميع صوره وأشكاله، فحرفوا الكَلِم عن مواضعه، وضربوا القرآن بعضه ببعض، ولووا أعناق النصوص وطوعوها لأهوائهم، فخالفوا القرآن وما جاءت به الرسل.


(١) ((السمعاني: تفسير القرآن: ٣/ ٧١
(٢) ((ابن تيمية: مجموع الفتاوى: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، ... ١٤١٦ هـ (١٤/ ٣٨٠).
(٣) ((ابن الجوزي: عبدالرحمن بن علي: زاد المسير، دار الكتاب العربي، بيروت، ط ١، ١٤٢٢ هـ (٢/ ٤٧٦)
(٤) ((الشنقيطي: أضواء البيان: ٢/ ٢١٨

<<  <   >  >>