وبعد ذكر هذه القواعد التي قعَّدها السمعاني، متتبعاً فيها النصوص، ومستقرئاً كلام السلف، نختم بما نقله عنه الأصبهاني، في بيان منهج أهل السنة في هذا الباب:" وأما أهل السنة ـ سلمهم الله ـ، فإنهم يتمسكون بما نطق به الكتاب، ووردت به السنة، ويحتجون له بالحجج الواضحة، والدلائل الصحيحة، على حسب ما أذن فيه الشرع، وورد به السمع، ولا يدخلون بآرائهم في صفات الله تعالى، ولا في غيرها من أمور الدين، وعلى هذا وجدوا سلفهم وأئمتهم ... وإذا كان الأمر على ما قلنا، وقد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدعهم في هذه الأمور إلى الاستدلال بالأعراض والجواهر، وذكر ما هيتها، ولا يمكن لأحد من الناس أن يروي في ذلك عنه، ولا عن أحد من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ من هذا النمط حرفاً واحداً فما فوقه، لا في طريق تواتر، ولا آحاد، فعلمنا أنهم ذهبوا خلاف مذهب هؤلاء، وسلكوا غير طريقهم، وأن هذا طريق محدث مخترع، لم يكن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه. وسلوكه يعود عليهم بالطعن، والقدح، ونسبتهم إلى قلة العلم في الدين، واشتباه الطريق عليهم، فإياك ـ رحمك الله ـ أن تشتغل بكلامهم، ولا تغتر بكثرة مقالاتهم؛ فإنها سريعة التهافت، كثيرة التناقض، وما من كلام تسمعه لفرقة منهم، إلا ولخصومهم عليه كلام يوازيه أو يقاربه "(١).
[المطلب الثالث: معاني أسماء الله تعالى وصفاته، ومقتضياتها]
تَتَبُعُ الأسماءِ والصفاتِ وإحصائها، وبيانِ معانيها، وإن كان بعض الأئمة قد خصها بمصنفات، إلا أن إبراز جهد السمعاني فيه يُؤكد على عدة قضايا:
١ - قضايا معرفية: وتظهر من جهة التعبد بهذه الأسماء والصفات، والتعبد لازم المعرفة، والمعرفة لازمة البحث والتقصي، فمن رام التعبد على بصيرة، اجتهد في معرفة الحق، فإظهار معاني هذه الأسماء والصفات وإثباتها، مُعين على التعبد بها، وهذا يشمل: حفظها، ومعرفة معانيها، والتعبد بمقتضاها.
٢ - قضايا احترازية غائية: وتظهر من جهة إغلاق الباب على المتقولين المتخرصين على النصوص الشرعية في هذا الباب.