للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: هل يجب على الله شيء؟!]

قَعَّد السمعاني قاعدة قرآنية، مفادها: أن كل موطن في القرآن ورد فيه كلمه (عَسَى) فهي واجبة من الله، نقلها عن الحسن البصري، ومجاهد (١)، ولكن حين أوجب الله تعالى شيئاً على نفسه الشريفة المقدسة، فليست هي بإيجاب أحد، وإنما هي محض فضل من الله تعالى على خلقه، بحكم الوعد (٢)، وإن كان قد ذكر في كتابه القواطع (٣): أنه لا يجب على الله تعالى حق لأحد، قلت: يُمكن أن يكون قاصدًا الوجوب العقلي عند المعتزلة؛ لأنه استدل بحديث مُعاذ، وفيه:" وحق الْعباد على الله إِذا فعلوا ذَلِك أَن يدخلهم الْجنَّة، وَلَا يعذبهم"، عند تفسير قوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) [النساء:٣٦]، والذي يدل على أن هناك حقا أوجبه الله تعالى على نفسه المقدسة فضلا منه وكرما، ولم يُوجبه عليه أحد.

وهذه المسألة محل نزاع بين المعتزلة والأشاعرة، وهي مترتبة على مسألة التقبيح والتحسين العقليين، هل العقل يقبح ويحسن أم لا؟!

فلما ذهبت المعتزلة إلى أن العقل هو الحاكم، فإنه يقضي بقبح بعض الأفعال على الله تعالى، ووجوب بعضها عليه، وبناء عليه: اشتهر عنهم القول بوجوب فعل الأصلح. فهؤلاء رأوا أن الله تعالى أوجب على نفسه أموراً لعبده، فظنوا أن العبد أوجبها عليه بأعماله، وأن أعماله كانت سبباً لهذا الإيجاب.

في حين ذهبت الأشاعرة إلى نفي الوجوب على الله تعالى، فقالت: إن العبد أقل وأعجز من أن يوجب على ربه حقاً، فقالت: لا يجب على الله شيء البتة، فأنكرت وجوب ما أوجب على نفسه المقدسة. فأخطؤوا في إطلاقهم نفي الوجوب على الله، ولذا لم ينزهوه تعالى عن فعل شيء؛ بناء على معنى التحسين والتقبيح العقليين، وقالوا: الوجوب لا يتصور في حقه تعالى؛ لأنه المالك المتصرف، وهو لا يُسأل عما يفعل، ونسوا أنه لا يُسأل لكمال حكمته.


(١) السمعاني: تفسير القرآن: ٢/ ٣٤٥ - ٣/ ٢٢١
(٢) السمعاني: تفسير القرآن: ٣/ ١٦٢
(٣) - السمعاني: قواطع الأدلة: ١/ ١١٣

<<  <   >  >>