للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الإيمان بالقدر]

الإيمان بالقدر هو الإيمان بأفعال الله تعالى، يقول القصري: " واعلم أن الإيمان بالقدر من أعظم شعب الإيمان؛ لأنه من التوحيد، فإنه إضافة الأفعال كلها إلى الله، وأنها صادرة عن قدرته لا شريك له فيها" (١)، وهو الإيمان بالغيب، قال ابن كيسان في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:٣]، أي بالقدر (٢)، وقد أجمع العلماء على أن الإقرار بالقدر مع الإيمان به واجب (٣)، وأفعال الله تعالى كلها قائمة على العدل، قال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل:٧٦]، يقول السمعاني: " عنى نفسه، والله تعالى يأمر بالعدل، ويفعل العدل " (٤)، وهذا محل إجماع عند العلماء، فقد أجمعوا على أن الله تعالى عادل في جميع أفعاله وأحكامه، ساءنا ذلك أو سرنا، نفعنا أو ضرنا. (٥)

فالقدر سِرُّ الله، وسبيل المعرفة فيه التوقيف من الكتاب والسنة، يقول السمعاني مقرراً هذه العقيدة: " سبيل معرفة هذا الباب، التوقيف من الكتاب والسنة، دون محض القياس، ومجرد العقول، فمن عَدَل عن التوقيف فيه، ضَلَّ وتاه في بحار الحَيْرة، ولم يبلغ شفاء النفس، ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب؛ لأن القدر سِرٌّ من أسرار الله تعالى، التي ضُرِبت من دونها الأستار، اختص الله به، وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم، لما علمه من الحكمة، وواجنبا أن نقف حيث حَدَّ لنا ولا نتجاوزه، وقد طوى الله تعالى علم القدر على العَالَم، فلم يعلمه نبي مرسل، ولا ملك مقرب، وقيل: إن سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة، ولا ينكشف قبل دخولها ". (٦)


(١) القصري: شعب الإيمان: ٢٩٢
(٢) السمعاني: تفسير القرآن: ١/ ٤٣
(٣) ابن القطان: الإقناع: ١/ ٥٩
(٤) السمعاني: تفسير القرآن: ٣/ ١٩٠
(٥) ابن القطان: الإقناع: ١/ ٦٠
(٦) انظر: النووي: شرح مسلم: دار إحياء التراث، بيروت، ط ٢، ١٣٩٢ هـ، (١٦/ ١٩٦)

<<  <   >  >>