للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٣ ـ الطيرة]

وقد حكى الله جل وعز ما كان من الأمم السابقة، من التطير بأنبيائهم عليهم السلام، قال تعالى حكاية لما قاله قوم صالح لنبيهم:" اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ " (النمل ٤٧)، وفي قصة موسى:" يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ" (الأعراف ١٣١)، وفي سورة يس (١٨):" إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ "والمعنى: تشاءمنا بكم.

وقال المشركون فيما حكى الله عنهم:" وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِكَ" (النساء ٧٨)، يقول السمعاني:" " وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِكَ"أي: بشؤمك، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة أصاب أهلها نوع سوء، فقالت اليهود: مارأينا أشأم من هذا الرجل، منذ دخل ديارنا قد غلت أسعارنا، ونقصت ثمارنا، وذلك بلية للمسلمين (١)، فرد الله افتراءهم فقال:" قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ" أي: الخصب والجدب، والنصر والهزيمة، كل من عند الله تعالى (٢).

ولذا لما قال قوم موسى لموسى ماقالوا، رد الله عليهم فقال:" أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" (الأعراف ١٣١)، أي: الشؤم والبركة، والخير والشر، كله من الله تعالى، وقيل معناه: الشؤم العظيم هو الذي لهم عندالله تعالى في الآخرة (٣).

والطيرة من الأمور المحرمة، يقول السمعاني: " وأعلم أن الطيرة منهي عنها، وفي بعض الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:لا عدوى ولا طيرة (٤)، وعنه: أنه كان يحب الفأل ويكره الطيرة (٥).

وقد كان أهل الجاهلية يتطيرون، وكان الرجل إذا خرج لحاجة فطار طائر، أو لقي شيئاً، أوسمع كلاماً، يتطير بذلك، إما في الامتناع من ذلك الفعل، أو في الدخول في ذلك الفعل، وقد قال بعض الشعراء شعراً:


(١) السمعاني: تفسير القرآن:١/ ٤٥٠.
(٢) السمعاني: تفسير القرآن:١/ ٤٥٠.
(٣) السمعاني: تفسير القرآن:٢/ ٢٠٧.
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه، باب الجذام، ح (٥٧٠٧).
(٥) أخرجه البخاري في صحيحه، باب الفأل، ح (٥٧٥٦).

<<  <   >  >>