للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ... ولا زاجرات الليل ما الله صانع " (١).

وفي الحديث: (الطيرة شرك) (٢)، وفي الآخر: (من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك) (٣)، وفي وجه كونها شركا، يقول الإمام النووي: "الطيرة شرك، أي اعتقاد أنها تنفع أو تضر، إذا عملوا بمقتضاها، معتقدين تأثيرها، فهو شرك؛ لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد" (٤)، فكأنهم أشركوه مع الله (٥)، ولذا أبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن يكون لشيء منها تأثير في اجتلاب ضرر أو نفع، واستحب الفأل بالكلمة الحسنة يسمعها، من ناحية حسن الظن بالله تعالى (٦).

إذن: إنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره الطيرة؛ لأنها من أعمال أهل الشرك؛ ولأنها تجلب سوء الظن بالله تعالى.

ووجه الشرك فيها: أن من اعتقد فيها ما كانت الجاهلية تعتقده فيها، فقد أشرك مع الله تعالى خالقا آخر، ومن لم يعتقد ذلك، فقد تشبه بأهل الشرك (٧).

ولما كان التطير ربما يعتري القلب، ويهجم عليه، كما قال ابن مسعود: وما منا إلا: يعني: إلا من يعتريه التطير، وسبق إلى قلبه الكراهة فيه، والحل الناجح: (ولكن الله يذهبه بالتوكل) (٨)، "أي بسبب الاعتماد عليه، والإسناد إليه سبحانه. وحاصله: أن الخطرة ليس بها عِبرة، فإن وقعت غفلة لا بد من رجعة، وأوبة من حوبة" (٩).


(١) السمعاني: تفسير القرآن:٤/ ١٠٤.
(٢) أخرجه أبو داود في سننه، باب في الطيرة، ح (٣٩١٠).
(٣) أخرجه أحمد في مسنده، مؤسسة الرسالة، ط ١، ١٤٢١ هـ، ح (٧٠٤٥).
(٤) النووي: شرح مسلم، دار إحياء التراث-بيروت، ط ٢، ١٣٩٢ هـ، (١٤/ ٢١٩)
(٥) المستدرك على مجموع الفتاوى: ٥/ ١٣٠.
(٦) الخطابي: معالم السنن، المطبعة العلمية-حلب، ط ١، ١٣٥١ هـ، (٤/ ٢٣٥).
(٧) أحمد القرطبي: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: دار ابن كثير، دمشق، ط ٥،١٤٣١ هـ، (٥/ ٦٢٨).
(٨) أخرجه أبو داود في سننه، باب في الطيرة، ح (٣٩١٠)
(٩) علي القاري: مرقاة المفاتيح:٧/ ٢٨٩٧، وانظر: السمعاني: تفسير السمعاني:٤/ ١٠٤.

<<  <   >  >>