للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن لطيف الأدلة التي ذكرها الرازي عن بعض من لقيه، في بطلان هذا القول ما ذكره من قوله: " وكان صديقنا الملك سام بن محمد يرحمه الله ـ وكان من أفضل من لقيته من أرباب السلطنة، يقول: هذا الكلام بعد الدلائل القوية القاهرة، باطل من وجهين أخرين:

الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي " (١)

فإذا لم يقدر الشيطان على أن يتمثل في المنام بصورة الرسول، فكيف قدر على التشبه بجبريل حال اشتغال تبليغ وحي الله تعالى.

الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما سلك عمر فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً آخر " (٢). فإذا لم يقدر الشيطان أن يحضر مع عمر في فج واحد، فكيف يقدر على أن يحضر مع جبريل في موقف تبليغ وحي الله تعالى " (٣).

وهذه الأوجه مع لطافتها، إلا أنها مما يُستأنس بها، وإلا لو صح ما رُوي عن السلف من الآثار؛ لكان ما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم هو من باب الامتحان والاختبار للعباد، كما قال السمعاني.

[المسألة الثانية: توجيه قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (لئن أشركت ليحبطن عملك).]

قال الله تعالى مخاطباً نبيه عليه الصلاة والسلام:" وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ " (الزمر ٦٥). وفي قوله تعالى بعد ما سرد ذكر أنبيائه قال: " وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " (الأنعام ٨٨). فكيف يكون توجيه الخطاب في هذه الآية، مع ما تقرر من عصمة الأنبياء عن الوقوع في الشرك؟!

ذكر السمعاني في توجيه قوله تعالى: " لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ " (الزمر ٦٥) قولان:

١ ـ هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد منه غيره.

٢ ـ يجوز أن يكون تأديباً للرسول صلى الله عليه وسلم وتخويفاً له، ليتمسك بما عليه. (٤)


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ح (٦٩٩٣)
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، باب مناقب عمر بن الخطاب، ح (٣٦٨٣)
(٣) الرازي: مفاتيح الغيب: ٢٧/ ٦١٤
(٤) السمعاني: تفسير القرآن: ٤/ ٤٧٩

<<  <   >  >>