للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما تدبير الخلائق فهو من خصائص الله جلا وعلا، وماجاء في قوله تعالى: " فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (٥) " (النازعات ٥)، فإن قيل: هي الملائكة، فمعنى التدبير، هو ما جعل الله إليها من الأمور، وإن قيل: هي النجوم، فيجوز أن يُعَلِّق الله تعالى على مطالعها ومغاربها وسيرها أشياء، وأضاف التدبير إليها على طريق المجاز " (١).

وما ذكره السمعاني، هو ما أجاب به الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين سأله ابن الكوَّاء عن المدبرات أمراً، فقال: الملائكة يدبرون ذكر الرحمن وأمره " (٢).

إذن: فالسمعاني متوافق في تفسيره لمعنى الرب لتفسير السلف ولم يخرج عن مقتضى النص القرآني، وهو المنصوص عليه عند علماء اللغة والشرع. ويُعد تفسير كلمة الرب في القرآن الكريم من باب تفسير القرآن بالقرآن، فقد قال جل وعلا: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل الأرض فراشا والسماء بماء ... ) (البقرة ٢١ - ٢٢)، فذكر في الآية مقتضيات ربوبيته من الخلق والملك والتدبير، بالتضمن والالتزام.

[المطلب الثاني: معرفة الله جل وعلا، ودلائل وجوده ووحدانيته]

[المسألة الأولى: معرفة الله جل وعلا]

مسألة المعرفة الإلهية من المسائل الواضحة البينة، التي تشهد لها الفِطر، والعقول، والنفوس، وكل مافي هذا الكون. ومع ذلك اختلف الناس في هذه المعرفة: هل تُعرف بالشرع أو بالعقل، أو بهما معاً؟.

فأهل السنة على أن المعرفة واجبة بالشرع، ممكنة بالعقل، ومعنى وجوبها بالشرع:

هو عدم قيام الحجة على المكلف قبل ورود الشرع. في حين نحا المعتزلة منحى آخر، فذهبوا إلى أن المعرفة لا تُنال إلا بحجة العقل. (٣)


(١) ((السمعاني: تفسير القرآن: ٦/ ١٤٦
(٢) ((أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، مكتبة الباز، المملكة العربية السعودية، ط ٣، ١٤١٩ هـ (١٠/ ٣٣٩٧)
(٣) ((السجزي: عبدالله بن سعيد: رسالة السجزي إلى أهل زبيد، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط ٢، ١٤٢٣ هـ، (١٣٥)، عبدالجبار: شرح الأصول الخمسة، مكتبة وهبة، ط ١، ١٣٨٤ هـ، (٨٨).

<<  <   >  >>