للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: هل للقاتل توبة؟!]

بحث السمعاني ـ رحمه الله ـ هذه المسألة، وذكر فيها قولين لأهل العلم:

الأول: أن لقاتل المؤمن عمداً توبة، والثاني: أنه ليست له توبة. ثم رجح القول الأول لاعتبارات وأدلة فقال: " والأصح، والذي عليه الأكثر، وهو مذهب أهل السنة، أن لقاتل المؤمن عمداً توبة، والدليل عليه قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ} [طه:٨٢]، وقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:١١٦]؛ ولأن القتل العمد ليس بأشد من الكفر، ومن الكفر توبة، فمن القتل أولى " (١). ثم وجه ما ورد عن بعض السلف كابن عباس، وسفيان بن عيينة، بأن القاتل لا توبة له، بأنه محمول على التشديد والمبالغة في الزجر عن القتل، فقال: "وأما الذي رُوي عن ابن عباس، فعلى سبيل التشديد والمبالغة في الزجر عن القتل، وهو مثل ما روي عن سفيان بن عيينة أنه قال: إن لم يقتل، يقال له: لا توبة لك؛ منعاً له عن القتل، وإن قتل يُقال له: لك توبة، حتى يتوب. وروي أن رجلاً جاء إلى ابن عباس وسأله؛ هل لقاتل المؤمن توبة؟ قال: لا، فجاءه آخر وسأله عن ذلك، فقال: نعم، له توبة، فقيل له في ذلك، فقال: إن الأول لم يكن قتل، فمنعته عن القتل، وإن الثاني قتل، فأرشدته إلى التوبة ". (٢)

وهذا القول هو القول الراجح، وهو قول جمهور العلماء، أن للقاتل عمداً توبة، واستدل له السمعاني كذلك بقوله تعالى في قصة يوسف: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} [يوسف:٩]، يقول السمعاني: " واستدل أهل السنة بهذه الآية، على أن توبة القاتل عمداً مقبولة، فإن الله تعالى، ذكر عزم القتل منهم، وذكر التوبة، ولم ينكر عليهم التوبة بعد القتل؛ دلَّ أنها مقبولة ". (٣)


(١) السمعاني: تفسير القرآن: ١/ ٤٦٣
(٢) السمعاني: تفسير القرآن: ١/ ٤٦٤
(٣) السمعاني: تفسير القرآن: ٣/ ١٠

<<  <   >  >>