للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يوجه به هذا القول: أن الفطرة لها تميِّز عما ذكروه، من أن كل مولود يولد على ما سبق في علم الله أنه صائر إليه؛ لأن كل المخلوقات بهذه المثابة، فالبهائم والأشجار مخلوقة على ما سبق في علم الله، إذن: فليكن حينئذ كل مخلوق مخلوقاً على الفطرة.

ولو كان المراد ذلك لم يكن لقوله: " فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " معنى، فإنهما فعلا به ما هو الفطرة التي ولد عليها، فلا فرق بين التهويد والتنصير حينئذ، وبين تلقين الإسلام وتعليمه، وبين تعليم سائر الصنائع، فإن ذلك كله داخل فيما سبق به العلم. (١)

[المسألة الثانية: دلائل وجود الله تعالى ووحدانيته]

هذه المسألة هي الأصل التي يُبنى عليها ما بعدها، ولذا تتابع العلماء على البدء بهذا الأصل في الإيمان بالله تعالى، وهو الموافق للعقل والمنطق السليم، فالحديث عنها مقدم على غيرها، وإنما أخرت الكلام عنها، لدواعي ترتيب المباحث والمسائل لا غير، وإلا فإن حقها التقديم والتصدير ليُبنى عليها غيرها من المسائل، على أن ترتيب المسائل العلمية، هي تراتيب اصطلاحية، قد تُقَدَّم مسألة في مقام، وتُؤخر في مقام آخر حسب الدواعي والحاجة إليها.

فمسألة وجود الله تعالى، مسألة فطرية (٢)، إلا أن الناس سلكوا مسالك متعددة في إثبات الوجود الإلهي. مع أن الدلائل التي جعلها الله جل وعلا سبيلاً لمعرفته، وبثها في الكون والآفاق والأنفس كثيرة، ولا تنحصر أفرادها:

وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد


(١) ((ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل: ٨/ ٣٨٧ (بتصرف).
(٢) ((يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " مع أن إثبات الموجود الواجب الغني الخالق، وإثبات الموجود الممكن المحدث الفقير المخلوق، هو من أظهر المعارف، وأبين العلوم ". ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل: ٣/ ٢٦٥

<<  <   >  >>