[المسألة الثانية: تعريف توحيد الألوهية في الاصطلاح]
لقد قرَّر القرآن الكريم في سوره وآياته، هذا النوع من التوحيد، وبيَّن لنا قصة الصراع الطويلة بين الأنبياء وأممهم، وبيَّن لنا العناد والاستكبار الذي كان عليه أعداء الرسالات. ومما هو معلوم أن الأنبياء لم يبعثهم الله تعالى للدعوة إلى توحيد الربوبية، ولو كان كذلك لما جرى الصراع، ولما تعرَّض بعض الأنبياء للقتل، وبعضهم للأذى، وبعضهم للطرد، فإنهم جميعاً كانوا يقرون بربوبية الله تعالى، كما بينا في أول البحث، أن القلوب مفطورة على التوحيد، ولذا بيَّنا أن طريقة القرآن المعهودة إلزام المشركين بما ينكرون على مايقرون، فهم يقرون بتوحيد الربوبية ولذا لزمهم صرف العبادة لمن بيده الضر والنفع، يقول المقريزي عن هذا النوع من التوحيد:" وهو الذي كان ينكره المشركون، ويحتج الرب ـ سبحانه وتعالى ـ عليهم بتوحيدهم ربوبيته، على توحيد ألوهيته، كما قال تعالى: " قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠)" (النمل ٥٩ - ٦٠)، وكلما ذكر تعالى من آياته جملة من الجمل، قال عقبها: " أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ "، فأبان سبحانه وتعالى بذلك، أن المشركين إنما كانوا يتوقفون في إثبات توحيد الإلهية لا الربوبية، على أن منهم من أشرك في الربوبية. وبالجملة فهو تعالى يحتج على منكري الإلهية، بإثباتهم الربوبية "(١).
(١) ((المقريزي: تجريد التوحيد المفيد: الجامعة الإسلامية، المدينة المنوة، ١٤٠٩ هـ (٨ - ٩)