للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: الرد على القدرية]

ضَلَّ في باب القدر طوائف، حين لم يسلموا بالنصوص، ولم يجمعوا بينها، وظهر الانحراف في هذا الباب جلياً في اتجاهين:

الأول: عُرف بالقدرية، وهي من أول الفرق التي حدثت في الأمة الإسلامية، في آواخر عصر الصحابة، وكان أول من تكلم به معبد الجهني، وقيل: أخذه من المجوس، من رجل يُقال له: سيسويه، وأخذ غيلان الدمشقي عن معبد الجهني، وسموا قدرية لإنكارهم القدر. (١)

وهؤلاء غلوا في إثبات القدر، يعني: جعلوا العبد خالقاً لفعله، وأن أفعاله لا تعلق لها بالمشيئة الإلهية، ومَثَّل هذا الاتجاه المعتزلة، فصرحوا في كتبهم بهذه العقيدة المخالفة للنصوص.

والثاني: عُرِفَ بالجبرية: نسبة إلى الجبر، وهو نفي الفعل عن العبد، وإسناده للرب جل وعز، وكان زعيمهم الجهم بن صفوان، والجبرية قسمان، كما أن القدرية قسمان، فالقدرية قدرية خالصة، أنكرت العلم الإلهي، وهذه كفرها السلف، إلا أنها تلاشت، وقدرية متوسطة أثبتوا العلم الإلهي، ولكنهم أنكروا خلقه لأفعال العباد. أما الجبرية فهي جبرية خالصة يمثلهم الجهم يسلبون العبد إرادته التامة، ويقولون: هو مجبور مضطر على فعله، كالريشة في مهب الريح، وجبرية متوسطة أثبتوا للعبد قدرة لكنها قدرة غير مؤثرة، أضحت تعرف عند الأشاعرة بنظرية الكسب في الفعل. وهو في حقيقته مقارب لقول الجهمية الخالصة. (٢)


(١) ابن تيمية: مجموع الفتاوى: ٨/ ٤٢٩ - ٤٣٠، ابن حجر: فتح الباري: ١/ ١٤٥
(٢) انظر: ابن تيمية: درء التعارض: ١/ ٦٣، الشهرستاني: الملل والنِّحل: ١/ ٨٥، العروسي: المسائل المشتركة: دار حافظ، جدة، ط ١، ١٤١٠ هـ، (١٦٧)

<<  <   >  >>