[المطلب الأول: المنهج العام في دراسة مسائل العقيدة]
المتتبع لمسار الإمام السمعاني العلمي والمنهجي في تعاطيه لمسائل العقيدة، دراسة وتأصيلا وتقعيدا، يلمح المنهج الفريد الذي تميز به، والنَفَس العالي الذي تمتع به، ويدرك معنى الشمول الذي ظهر في شخصيته، خاصة في زمنه الذي ظهرت فيه البدع واحتدت، وعلت فيه المقالات المخالفة واشتدت. والسمعاني لم يكن وحيدا في هذا الباب، بل هو تطور طبيعي لسلسة النقد العلمي البناء المنصب على مقالات المخالفين، فهو يسير في ركاب العلماء الذين سبقوه، ملتمسا منهم الأصول العامة للمنهجية المنضبطة التي يحصل بها التعاطي مع مسائل المعتقد، بعيدا عن الأهواء والانحرافات التي أصابت الفكر في مقتل، ولذا كان السمعاني مجتهدا، مع كثرة أقرانه، ووفرة إخوانه.
وكانت لرحلات السمعاني المتعددة في الأمصار، ولقياه بأهل العلم المتخصصين في جميع الفنون، الأثر البالغ في تكوين الشخصية العلمية لديه، والتي ظهرت من خلال تبنيه لمنهج السلف - المستقى من نصوص القرآن والسنة - وتقرير قواعده، وتأصيل مسائله، والمنافحة عنه، ومجابهة مخالفيه والرد عليهم. وهذا يظهر جليا لكل من نظر في كتبه ومصنفاته، خاصة ما كتبه في تفسير القرآن الكريم، والذي كان أرضا خصبة لتقرير المنهج السلفي على ضوء النص القرآني، وهو كذلك الذي أعطى السمعاني سعة للتأكيد على المعتقد الصحيح كلما حلت مناسبة، أو سنحت فرصة.
وأما الإطار العام الذي سار عليه الإمام السمعاني في دراسة مسائل العقيدة، فهو يدور حول عدة مرتكزات، علما أن المنهج العام الذي تمحورت فيه شخصية السمعاني في هذا الباب، ظهرت من جهتين: من جهة التأصيل والبيان، ومن جهة الرد والتفنيد للشبهات.
والمرتكزات العامة التي سار عليها السمعاني في دراسة العقيدة تقوم على ما يلي:
أولا: ضبط منهج السلف: وهذا يظهر جليا في تقريراته لمسائل المعتقد وغيرها، فكان يدور في فلكهم، وكانت المسائل الكبرى والأصول العامة مقررة على طريقتهم، وبنظرة سريعة في المسائل التي بثها في تقرير أصول الإيمان الستة، تظهر ملامح ضبطه للمنهج السلفي.