للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثالثة: هل الجن يدخلون الجنة؟! وهل يثابون على أعمالهم؟!]

ذكر السمعاني خلافاً عن العلماء في هذه المسألة:

فقال بعضهم: يدخل الله تعالى المؤمنين منهم الجنة، كما يُدخل الكافرين منهم النار، وهو قول ضمرة بن جندب وغيره، ذكره الأصبهاني في كتابه العظمة.

وقال بعضهم: ليس لهم ثواب، قال ليث بن أبي سليم: مؤمنوا الجن يحاجزون من النار، ثم يجعلون تراباً، وأما الكفار منهم يخلدون في النار (١)، وكذا ذكره الأصبهاني في العظمة. (٢)

وقد حكى الإمام ابن حزم هذه المسألة، فقال: " فكافرهم في النار مع كافرنا، وأما مؤمنهم، فقد اختلف الناس فيهم: فقال أبو حنيفة، لا ثواب لهم، وقال ابن أبي ليلى، وأبو يوسف، وجمهور الناس، إنهم في الجنة، وبهذا نقول؛ لقول الله عز وجل: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣]، ولقوله تعالى حاكياً عنهم، ومصدقاً لمن قال ذلك منهم {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ} [الجن:١٣]، وقوله تعالى حاكياً عنهم {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن:١ - ٢]، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)} [البيِّنة:٧ - ٨]، وهذه الصفة تعم الجن والإنس عموماً، لا يجوز أن يخص منها أحد النوعين، فيكون فاعل ذلك، قائلاً على الله ما لا يعلم، وهذا حرام، ومن المحال الممتنع أن يكون الله تعالى يخبرنا بخبر عام، وهو لا يريد إلا بعض ما أخبرنا به، ثم لا يُبيِّن ذلك لنا، هذا هو ضد البيان الذي ضمنه عز وجل لنا، فكيف وقد نص عز وجل على أنهم آمنوا، فوجب أنهم من جملة المؤمنين، الذين يدخلون الجنة ولا بُدَّ " (٣).


(١) السمعاني: تفسير القرآن: ٥/ ٣٣٦
(٢) الأصبهاني: العظمة: ٥/ ١٦٩٦ - ١٦٩٧
(٣) ابن حزم: الفِصل: ٣/ ١٤٧، الطبري: جامع البيان: ٢٣/ ٦٥

<<  <   >  >>