للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالمعنى العام للآية: " انفقوا قبل أن تفنوا، وتصير كلها ميراثا لله تعالى بعد فنائكم، وإنما ذكر لفظ الميراث؛ لأن العرب تعرف ماترك الإنسان ميراثا، فخاطبهم بما يعرفون فيما بينهم" (١)، وبهذا وجه الإمام السمعاني في هذه الآية الكريمة فقال:" العرب تسمي كل ما انتقل من أحد إلى غيره ميراثا، بأي سبب كان، فلما خلصت السموات والأرض لله تعالى بعد هلاك العباد سماه ميراثا، كأنه انتقل منهم إليه " (٢).

[المسألة الخامسة: هل الإعطاء والمنع لحكمة أو لا؟!]

الله جل وعز هو الغني الحميد، وهو المعطي المانع، وهذه كلها من مقتضيات ربوبيته، ولاشك في أن إعطاءَه ومنعه جل وعلا منوط بالحكمة، فالله جل وعلا، مامنع إلا لأجل الابتلاء بالصبر، وما الأمر بالإنفاق إلا لأجل الابتلاء بالشكر. فلم يمنع سبحانه وتعالى بخلاً -وحاشاه-" بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ" (المائدة ٦٤)، ولكن اقتضت حكمة الله جل وعز أن ينزل بقدر مايشاء، كما قال سبحانه:" وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ" (الشورى ٢٧)،قال السمعاني:" إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ" أي خبير بما يصلحهم بصير بما يفعله ويطلبونه " (٣).

وهذا هو الفهم الصحيح الراجح، الذي فهمه أهل السنة، فإن فضل الله تعالى على عباده، والتفاوت القائم بينهم في الدين والدنيا، مبناه العدل، وهو صاحب الفضل، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء (٤).

يقول الإمام البغوي (٥): ( ... ولكن ينزل أرزاقهم بقدر مايشاء كما يشاء نظرا منه لعباده، ولحكمة اقتضتها قدرته، إنه بعباده خبير بصير) (٦).


(١) ((السمرقندي: بحر العلوم:٣/ ٤٠٣
(٢) ((السمعاني: تفسير القرآن:١/ ٣٨٤
(٣) ((السمعاني: تفسير القرآن:١/ ٣٨٤
(٤) ((البربهاري: شرح السنة:٨٥
(٥) ((البغوي: الحسين بن مسعود: يلقب بمحيي السنة، فقيه، محدث، مفسر، (٤٣٦ هـ-ت ٥١٠)،
من مصنفاته: شرح السنة في الحديث، والتهذيب في فقه الشافعية، الزركلي: الأعلام:٢/ ٢٥٩.
(٦) ((البغوي: معالم التنزيل في تفسير القرآن: دار إحياء التراث العربي: بيروت، ط ١، ١٤٢٤ هـ (٤/ ١٤٧)

<<  <   >  >>