للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد نُقل عن ابن عباس -رضي الله عنهما-تفسير قوله تعالى:" وَلِلَّهِ مِيرَاثُ

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"فقال: قال جبريل: يامحمد، لله الخلق كله، السموات كلهن، والأرضون كلهن، ومن فيهن، ومن بينهن مما يعلم ومما لايعلم (١)، فكل باق بعد ذاهب فهو وارث (٢)، وفي هذا يقول الغزالي: "الوارث: هو الذي يرجع إليه الأملاك، بعد فناء الملاك، وذلك هو سبحانه وتعالى، إذ هو الباقي بعد فناء الخلق، وإليه مرجع كل شيء ومصيره " (٣).

وجوابا عن السؤال يُقال:

إن معنى الآية الكريمة:"وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"أي أن الله تعالى وصف نفسه بالبقاء، وأعلم خلقه أنه كتب عليهم الفناء، وذلك أن ملك المالك إنما يصير ميراثا بعد وفاته، وإنما قال جل ثناؤه:" وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"؛ إعلاما بذلك من عباده, أن أملاك جميع خلقه منتقلة عنهم بموتهم، وأنه لا أحد إلا وهو فانٍ سواه، فإنه إذا أهلك جميع خلقه فزالت أملاكهم عنهم، لم يبق أحد يكون له ماكانوا يملكونه غيره. قاله الإمام الطبري (٤).

ولذلك يحتمل في الآية الكريمة وجهان:

الأول: معناه: ولله ملك السموات والأرض، والثاني: أنهما راجعان إليه، بانقباض من فيهما، كرجوع الميراث إلى المستحق (٥)، وهو ما أشار إليه السمعاني آنفا؛ بأنه لا يبقى لأحد ملك ولا سبب سوى الله تعالى.


(١) ((ابن أبي حاتم: تفسير ابن أبي حاتم:٣/ ٨٢٨
(٢) ((الزجاج: تفسير أسماء الله الحسنى: دار الثقافة العربية، (٦٥)
(٣) ((الغزالي: المقصد الأسمى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، مكتبة الجنان والجابي، قبرص، ط ١، ١٤٠٧ هـ، (١٤٨)
(٤) ((الطبري: جامع البيان:٧/ ٤٤٠
(٥) ((الماوردي: النكتة والعيون:٥/ ٤٧١

<<  <   >  >>