للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا أُطلق لفظ العبادة دخل فيها، عبادة القلب، وعبادة الجوارح، يقول الإمام ابن تيمية: " ويدخل في العبادة جميع خصائص الرب، فلا يُتقى غيره، ولا يُخاف غيره، ولا يُتوكل على غيره، ولا يُدعى غيره، ولا يُصلى لغيره، ولايُصام لغيره، ولا يُتصدق إلا له، ولا يُحج إلا إلى بيته " (١).

وقد ذهب الناس مذاهب في تفاضل العبادات وتمايزها، وأيها أولى بالإيثار والتخصيص (٢):

فالصنف الأول: عندهم أنفع العبادات وأفضلها: أشقها على النفوس وأصعبها.

والصنف الثاني: قالوا: أفضل العبادات التجرد، والزهد في الدنيا، والتقلل منها غاية الإمكان.

والصنف الثالث: رأوا أن أنفع العبادات وأفضلها: ما كان فيه نفع متعد.

والصنف الرابع: قالوا: إن أفضل العبادة، العمل على مرضاة الرب، في كل وقتٍ بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق.

وقد أشار السمعاني إلى جملة من العبادات التي تتفاضل فيما بينها زماناً ومكاناً.

ونذكر في هذا المقام قضيتين:

الأولى: بعض أنواع العبادات،

والثانية: التفاضل في الطاعات.

[القضية الأولى: بعض أنواع العبادات]

اشتمل القرآن الكريم على جملة كثيرة من العبادات القلبية والبدنية، والعبادات القولية والفعلية، والعبادات القاصرة والمتعدية، ولم يألوا السمعاني جهدا في بيان هذه العبادات والاستدلال بها وعليها، وقد أفاض السمعاني في ذكرها، وتفصيل مسائلها، حتى إنه يمكن للمرء أن يستخرج مصنفا خاصا في هذا الباب من كلامه، مع أنه لم يرد التقصي التام لهذه المسائل، بل كلما سنحت له فرصة بيَّن ووضح. والسمعاني سار في تقرير هذه المسائل على المنهج القرآني، فحيث يُثبت القرآن عبادة، يُثبتها ويسير في فلكها، ويغوص في أعماقها، ويستنبط بعض جلائل معانيها.

وبالتأمل في صنيع السمعاني في هذه المسائل، يتلخص منهجه في الآتي:

١ - الاستدلال على كون هذه الأعمال من العبادة؛ كما في الدعاء والسجود.


(١) ((ابن تيمية: الرد على الإخنائي: دار الخراز، جدة، ط ١، ١٤٢٠ هـ، (٢٧٧)
(٢) ((ابن القيم: مدارج السالكين: ١/ ١٠٦ - ١١١

<<  <   >  >>