للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الرابع: مسائل في عالم الجن والشياطين]

[المسألة الأولى: هل إبليس من الملائكة؟!]

ذكر السمعاني خلاف العلماء في هذه المسألة، وأن الذي عليه أكثر المفسرين، أن إبليس كان من الملائكة، ونسبه لابن عباس.

والقول الآخر: أنه كان من الجن، لقوله تعالى: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:٥٠]؛ ولأنه خُلق من النار، والملائكة خلقوا من النور، ولأنه له ذرية، ولا ذرية للملائكة.

ورجح السمعاني القول الأول، وهو أن إبليس كان من الملائكة؛ لأن خطاب السجود كان مع الملائكة، وقال: ولهذا تناوله الأمر بالسجود، ولو يكن من الملائكة لم يتناوله الأمر بالسجود (١)

ثم رد السمعاني عما استدل به أصحاب القول الثاني، فقال:

أما قوله: " كَانَ مِنَ الْجِنِّ " قيل: إن فرقة من الملائكة سموا جناً، خلقهم الله تعالى من النار، وعليه دَلَّ قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات:١٥٨]، حيث قالوا: الملائكة بنات الله، فسماهم جِنَّة، وإنما سموا جناً؛ لاستتارهم عن الأعين، وإبليس كان من ذلك القبيل. وإنما كان له ذرية؛ لأنه أخرجه من الملائكة، ثم جعل له ذرية (٢)، وقال في مقام آخر، في معرض رده على أصحاب القول الثاني: جميع ما نقلوه هو على طريق المجاز، والكلام في الحقيقة (٣)

وهذه المسألة ـ كما أشار السمعاني ـ إلى أنها محل خِلاف عند العلماء، وأن الأقوال فيها متباينة، ولكن هنا يُشار إلى أمور:

١ ـ أن النقل عن ابن عباس، وابن مسعود، مروي في القولين، فقد نسب العلماء القولين لهما. (٤)

٢ ـ أن كثيراً مما نُقل في هذا الباب، وهذه المسألة بخصوصها، وعن إبليس أنه كان خازن الجنة، ونحو ذلك من الأقوال، هي من قبيل الإسرائيليات التي لا يعول عليها، كما نبه على ذلك الحافظ ابن كثير (٥)، ويقول الشنقيطي: " وما ذكر عن إبليس من الإسرائيليات لا يعول عليها " (٦).


(١) - السمعاني: قواطع الأدلة: ١/ ٢١٤
(٢) السمعاني: تفسير القرآن: ١/ ٦٧ - ٦٨ - ٣/ ١٣٩ - ٤/ ٤٥٤ - قواطع الأدلة:١/ ٢١٤ - ٣٠٣
(٣) - السمعاني: قواطع الأدلة: ١/ ٢١٤
(٤) الطبري: جامع البيان: ١/ ٥٠٣، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: ١/ ١٩٤، أبو حيان: البحر المحيط: ١/ ٢٤٨
(٥) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: ٥/ ١٦٨
(٦) الشنقيطي: أضواء البيان: ٣/ ٢٩١

<<  <   >  >>