للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ ـ أن بعض المفسرين حاول الجمع بين القولين، حتى قال الراغب الأصفهاني: " فصار يصدق عليه القولان، ويجوز أن يكون عنى أنه كان من الجن فعلاً، ومن الملائكة نوعاً " (١). يعني: أن الملائكة حين حاربت الجن، وسبت إبليس، صار بالحكم من الملائكة، فمولى القوم منهم، وبالنسبة من الجن. وقيل: كان ملكاً قبل أن يعصي الله تعالى، فلما عصاه مسخه شيطاناً.

ونقل النسفي في تفسيره عن الجاحظ: أن الجن والملائكة جنس واحد، فمن طهر فهو ملك، ومن خبث فهو شيطان، ومن كان بين بين فهو جن. (٢)

وما نُقل عن المعتزلة، أن قولهم يوافق قول من قال: إنه ليس من الملائكة، لا يخرج المسألة عن كونها اجتهادية، خاضعة للنص، فليس قول من قال بأحد القولين يعتبر بدعة؛ لأن كل صاحب قول يستدل بالقرآن على قوله. فمن قال إنه من الملائكة، استدل بعموم قوله: " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ "، ومن قال إنه ليس منهم، استدل بقوله تعالى: " كَانَ مِنَ الْجِنِّ "، وكُلُّ صاحبِ قول، وَجَّه أدلة القول الآخر. فمن قال بأنه من الملائكة، حمل قوله تعالى: " كَانَ مِنَ الْجِنِّ " على عدة محامل:

١ ـ أي كان ضالاً، كما أن الجن كانوا ضالين، فجُعل منهم، ذكره الزجاج. (٣)

٢ ـ أن الملائكة قد تسمى جناً؛ لاستتارها.

٣ ـ أو أن يكون نسبهم إلى الجنة، لما كان خازناً لها، ذكرهما ابن عطية. (٤)

ومن قال أنه من الجن، حمل الاستثناء في الآية " إلا إبليس " على أنه استثناء منقطع.

ولكن يبقى الإشكال: إن قيل إن إبليس من الجن، من جهتين:

الأول: من أين تناوله الأمر، وهو للملائكة خاصة؟ قيل: إنه كان في صحبتهم، وكان يعبد الله تعالى مثل عبادتهم.


(١) الراغب: تفسير الراغب: ١/ ١٥١، وانظر: البيضاوي: أنوار التنزيل: ١/ ٧١
(٢) النسفي: مدارك التنزيل: ١/ ٨٠
(٣) الزجاج: معاني القرآن: ١/ ١١٤
(٤) ابن عطية: المحرر الوجيز: ١/ ١٢٥

<<  <   >  >>