الإمام السمعاني إمام محقق مدقق، شأنه شأن بقية العلماء، يصيب في اجتهاده ويُخطئ، لكن لدقة فهمه وقوة علمه، تبرز اجتهاداته في مُقدم الآراء، وتراه يُعطي بعض المسائل المُشكلة حقها من البحث والنظر والاستدلال، ودائما ما يخلص إلى رأي سديد يوافق فيه الجماعة، وربما خالف بحسب ما ظهر له من الأدلة، ومن المسائل المشكلة التي تتعلق بتوحيد الألوهية، التي يُظن فيها التعارض مع ما قرره القرآن الكريم في شأن هذا النوع من التوحيد، والتي تُشكل على بعض الناظرين لأول وهلة، كان لزاما على أمثال السمعاني ينبروا لإزاحة الإشكالات التي ترد، وتوجيه ما قد يعرض للذهن والفهم من خطأ وقصور، وبيان وجه الحق فيها، ومن تلك المسائل المشلكة التي تصدى لها السمعاني:
١ - تحقيق قصة الغرانيق، وأثرها على لبلاغ والتوحيد.
٢ - توجيه قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:(لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين).
٣ - تحقيق القول في وقوع آدم عليه السلام في الشرك.
٤ - توجيه قوله تعالى عن إبراهيم الخليل:(واجنبني وبني أن نعبد الأصنام).
[المسألة الأولى: قصة الغرانيق العلا]
قال تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "(الحج ٥٢)، يُقال: لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة سورة النجم، فلما بلغ قوله:" أَفَرَءَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠) "(النجم ١٩ ـ ٢٠)، ألقى الشيطان على لسانه:" تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى "، ما مدى صحة هذه الرواية، وكيف يجوز هذا على النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان معصوماً من الغلط في أصل الدين؟!