للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تطرق الإمام السمعاني لهذه المسألة، وبحثها بحثاً مستفيضاً كعادته، وذكر فيها أقوال المفسرين، ورجح السمعاني صحة ما ورد من قصة الغرانيق، ونسبه لأكثر السلف، وذلك أن هذا شيء جرى على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم بإلقاء الشيطان، من غير أن يعتقد، وذلك محنة وفتنة من الله تعالى، والله يمتحن عباده بما شاء، ويفتنهم بما يريد، وليس عليه اعتراض لأحد، وقال: وقالوا: إن هذا وإن كان غلطاً عظيماً، فالغلط يجوز على الأنبياء، إلا أنهم لا يقرون عليه. (١)

لكن شيخ الإسلام ابن تيمية، مع كونه (والله أعلم) يميل إلى هذا القول، ويجعله هو المشهور عند السلف والخلف (٢)، يقول: " والمأثور عن السلف يوافق القرآن بذلك " (٣)، إلا أنه بيَّن منزع الخلاف عند العلماء، فيما يتعلق بهما من جهة العصمة، فقال: " والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة، فلا يستقر في ذلك خطأ بإتفاق المسلمين. ولكن يصدر مايستدركه الله، فينسخ ما يُلقي الشيطان، ويحكم الله آياته؟ هذا فيه قولان " (٤). وقال: " ومن قامت البراهين والآيات، على صدقه فيما يُبلِّغه عن الله، كان صادقاً في كل ما يُخبر به عن الله، لا يجوز أن يكون في خبره عن الله شيء من الكذب، لا عمداً، ولا خطأً، وهذا مما اتفق عليه جميع الناس، من المسلمين، واليهود والنصارى، وغيرهم، لم يتنازعوا أنه لا يجوز أن يستقر خبره عن الله خطأ، وإنما تنازعوا هل يجوز أن يقع من الغلط، ما يستدركه ويُبيِّنه، فلا ينافي مقصود الرسالة، كما نُقل من ذكر: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى) " (٥).

وهذه المسألة، اختلف الناس فيها على قولين، قول يُجيز وقوعها على ما ورد عن السلف في بيان هذه القصة، وهؤلاء العلماء حين قرروا صحتها، ذهبوا يؤولون ويوجهون الأقوال، مع ما يتناسب مع القول بالعصمة، ولذا كثرت أقوالهم في المسألة.


(١) السمعاني: تفسير القرآن: ٣/ ٤٤٩
(٢) ابن تيمية: منهاج السنة: ٢/ ٤٠٩
(٣) ابن تيمية: الفتاوى الكبرى: ٥/ ٢٥٧
(٤) ابن تيمية: الفتاوى الكبرى: ٥/ ٢٥٦
(٥) ابن تيمية: منهاج السنة: ٢/ ٣٤

<<  <   >  >>