للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول يمنع أصالة وقوع مثل هذه القصة، وطعنوا في الروايات الواردة عن السلف، وحكموا بعدم ثبوتها، مع مخالفتها من جهة أخرى للنصوص النقلية، الحجج العقلية، وهؤلاء سَلِموا من كل الأقوال الموجهة، لنفي التعارض بين صحة القصة، وقضية العصمة.

ومُحصِّل ما ذكر العلماء في هذه المسألة ما يلي:

القول الأول: أن ما ورد من إلقاء الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم صحيح، وارد عن ابن عباس وجماعة. وهذا ما رجحه الإمام السمعاني، والزجاج وغيرهم. قال الزجاج: " معنى (إذا تمنى) إذا تلا، ألقى الشيطان في تلاوته، فذلك محنة من الله عزوجل، وله أن يمتحن بما شاء، فألقى الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من صفة الأصنام، فافتتن بذلك أهل الشقاق والنفاق، ومن في قلبه مرض " (١).

وفي دعم هذا القول، يقول الأنجري (٢): " فتحصل أنه عليه الصلاة والسلام لم ينطق بتلك الكلمات قط، لا سهواً ولا عمداً، وإنما ألقيت في مسامع الكفار؛ ليحصل ما تمناه عليه الصلاة والسلام من المقاربة. ويدل على هذا، أن من حضر من المسلمين، لم يسمعوا من ذلك شيئاً، فإذا تقرر هذا علمت أن ما حكاه السلف الصالح من المفسرين، وأهل السير، من أصل القصة في سبب نزول الآية صحيح، لكنه يحتاج إلى نظر دقيق، وتأويل قريب، فلا تحسن المبادرة بالإنكار والرد عليهم، وهم عدول، لا سيما حبر هذه الأمة، وإنما يحتاج اللبيب على التطبيق بين المنقول والمعقول، فإن لم يمكن قدم المنقول إن ثبتت صحته، وحكم على العقل بالعجز " (٣).


(١) الزجاج: معاني القرآن: ٣/ ٤٣٤
(٢) الأنجري: أحمد بن محمد (١١٦٠ هـ ـ ت ١٢٢٤ هـ)، مفسر، صوفي، من أهل المغرب، له كتب كثيرة منها: البحر المديد، وأزهار البساتين. الزركلي: الاعلام ١/ ٢٤٥.
(٣) الأنجري: البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: نشر د. حسن عباس، القاهرة، ١٤١٩ هـ، (٣/ ٥٤٥).

<<  <   >  >>