والإمام السمعاني ـ رحمه الله ـ ذكر بعض دلائل القدرية التي يعتمدون عليها، والتي هي على وفاق ـ حسب ظنونهم ـ مع أدلتهم العقلية، التي بها ألبسوا العبد لباس الخالقية لأفعاله، فأشار إليها السمعاني، ورد عليهم هذا المذهب الفاسد بكثير من الدلائل القرآنية التي تُثبت عموم خالقية الله تعالى ومشيئته. العجيب أن المعتزلة القدرية، احتجوا ببعض دلائل الجهمية، فالجهمية قالوا: الأفعال كلها كانت وتكون بخلق الله، ولا مشيئة للعبد فيها، والقدرية قالوا: أفعال العبد كلها كانت وتكون بخلق العبد، ولا مشيئة لله تعالى فيها، وإنما أمكنه الله تعالى من إحداث إرادته، بأن خلقه كذلك. وكلا الطائفتين قَصَّر في جانب، فالجهمية سلبت قدرة العبد، والقدرية المعتزلة سلبت قدرة الرب في هذه المسألة، وأهل السنة أثبتوا للرب كمال القدرة والمشيئة، وأثبتوا للعبد كذلك القدرة الحقيقية المؤثرة في مقدورها، ومشيئته واختياره، إلا أن مشيئته غير مستقلة، بل هي تحت مشيئة الله تعالى (١). وهناك عدة منطلقات، انطلق منها القوم في تبرير وجهاتهم، وتقرير عقائدهم، فيما يتعلق بهذا الباب:
١ ـ الجهمية الجبرية: الذين ينفون الحكمة والتعليل في إفعال الله تعالى، قادهم هذا الاعتقاد إلى الجبر، وهو سلب العباد مشيئتهم، وأنهم غير قادرين على أفعالهم، وإنما تُنسب إليهم مجازاً، والفاعل هو الله تعالى، وإذا قيل مثلاً: كيف يكلف الله، ويعذب من جبرهم على الأعمال أو المعاصي، قالوا: إن الله يفعل ما يشاء، وأفعاله لا تعلل بالحكمة والمصلحة.
(١) انظر: العروسي: المسائل المشتركة: ١٦٨، عبدالرحمن المحمود: القضاء والقدر: دار الوطن، الرياض، ط ٢، ١٤١٨ هـ (٣٠٣)